للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطُّرُقَاتِ، وَوَضْعُ دِرْهَمٍ عَلَى الْأَرْضِ وَهُمْ بَعِيدُونَ مِنْهُ فَمَنْ أَخَذَهُ صَاحُوا عَلَيْهِ وَخَجِلُوهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ صَبِيٌّ تَابَعُوهُ وَرَاوَدُوهُ. هَؤُلَاءِ بَنَاتِي: الْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ مَجَازِيَّةً، أَيْ:

بَنَاتُ قَوْمِي، أَيِ الْبَنَاتُ أَطْهَرُ لَكُمْ، إِذِ النَّبِيُّ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ لِقَوْمِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ «١» وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِيمَا قِيلَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الابنتان، وَهَذَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَأَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَيْهِ مِنْ جَمِيعِ قَوْمِهِ. وَقِيلَ: أَشَارَ إِلَى بَنَاتِ نَفْسِهِ وَنَدَبَهُمْ إِلَى النِّكَاحِ، إِذْ كَانَ مِنْ سُنَّتِهِمُ تَزْوِيجُ الْمُؤْمِنَةِ بِالْكَافِرِ. أَوْ عَلَى أَنَّ فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا. وَقِيلَ: كَانَ لَهُمْ سَيِّدَانِ مُطَاعَانِ فَأَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُمَا ابْنَتَيْهِ زَغُورَا وَزَيْتَا. وَقِيلَ: كُنَّ ثَلَاثًا.

وَمَعْنَى أَطْهَرُ: أَنْظَفُ فِعْلًا. وَقِيلَ: أَحَلُّ وَأَطْهَرُ بَيْتًا لَيْسَ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، إِذْ لَا طَهَارَةَ فِي إِتْيَانِ الذُّكُورِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَطْهَرُ بِالرَّفْعِ وَالْأَحْسَنُ فِي الْإِعْرَابِ أَنْ يَكُونَ جُمْلَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَجُوِّزَ فِي بَنَاتِي أَنْ يَكُونَ بَدَلًا، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، وهن فصل وأطهر الْخَبَرُ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ: أَطْهَرَ بِالنَّصْبِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ لَحْنٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: احْتَبَى فِيهِ ابْنُ مَرْوَانَ فِي لَحْنِهِ يَعْنِي: تَرَبَّعَ. وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَخُرِّجَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَنَّ نَصْبَ أَطْهَرَ عَلَى الْحَالِ. فَقِيلَ: هؤلاء مبتدا، وبناتي هُنَّ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ هَؤُلَاءِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الْمُبَرِّدِ. وَقِيلَ: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وهن مبتدأ ولكم خَبَرُهُ، وَالْعَامِلُ قِيلَ: الْمُضْمَرُ. وَقِيلَ: لَكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ. وَقِيلَ: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وهن فصل، وأطهر حَالٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَصْلَ لَا يَقَعُ إِلَّا بَيْنَ جزءي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَقَعُ بَيْنَ الْحَالِ وَذِي الْحَالِ. وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَادَّعَى السَّمَاعَ فِيهِ عَنِ الْعَرَبِ، لَكِنَّهُ قَلِيلٌ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَنْ يُؤْثِرُوا الْبَنَاتِ عَلَى الْأَضْيَافِ. ولا تخزون: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخِزْيِ وَهُوَ الْفَضِيحَةُ، أَوْ مِنَ الْخَزَايَةِ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ، لِأَنَّهُ إِذَا خُزِيَ ضَيْفُ الرَّجُلِ أَوْ جَارُهُ فَقَدْ خُزِيَ هُوَ، وَذَلِكَ مِنْ عَرَاقَةِ الْكَرَمِ وَأَصْلِ الْمُرُوءَةَ. أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ يَهْتَدِي إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَفِعْلِ الْجَمِيلِ، وَالْكَفِّ عَنِ السُّوءِ؟ وَفِي ذَلِكَ تَوْبِيخٌ عَظِيمٌ لَهُمْ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ رَشِيدٌ الْبَتَّةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَشِيدٌ مُؤْمِنٌ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: نَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَرَشِيدٌ ذُو رُشْدٍ، أَوْ مُرْشِدٌ كَالْحَكِيمِ بِمَعْنَى الْمُحْكَمُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى مِنْ حَقٍّ مِنْ نصيب، ولا من


(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>