للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَرَضٍ وَلَا مِنْ شَهْوَةٍ، قَالُوا لَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَلَاعَةِ. وَقِيلَ: مِنْ حَقٍّ، لِأَنَّكَ لَا تَرَى مِنَّا كُحَّتَنَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَطَبُوا بَنَاتَهُ فَرَدَّهُمْ، وَكَانَتْ سُنَّتُهُمْ أَنَّ مَنْ رُدَّ فِي خِطْبَةِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا. وَقِيلَ: لَمَّا اتَّخَذُوا إِتْيَانَ الذُّكْرَانِ مَذْهَبًا كَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، وَإِنَّ نِكَاحَ الْإِنَاثِ مِنَ الْبَاطِلِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَّا وَاحِدَةً، وَكَانُوا كُلُّهُمْ مُتَزَوِّجِينَ. وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ يَعْنِي: مِنْ إِتْيَانِ الذكور، وما لهم فِيهِ مِنَ الشَّهْوَةِ. قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً، قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَجُّعِ. وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ كَمَا حُذِفَ فِي: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ «١» وَتَقْدِيرُهُ: لَفَعَلْتُ بِكُمْ وَصَنَعْتُ. وَالْمَعْنَى فِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ: مَنْ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، شَبَّهَ الَّذِي يَمْتَنِعُ بِهِ بِالرُّكْنِ مِنَ الْجَبَلِ فِي شِدَّتِهِ وَمَنَعَتِهِ، وَكَأَنَّهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَصِرَ وَيَمْتَنِعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ، وَأَبُو الْبَقَاءِ: أَوْ آوِي عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ: أَوْ أَنِّي آوِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ عَطَفَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ إِنْ قَدَّرْتَ أَنِّي فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُبَرِّدُ أَيْ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً، أَوْ آوِي. وَيَكُونُ الْمُضَارِعُ الْمُقَدَّرُ وَآوِي هَذَا وَقَعَا مَوْقِعَ الْمَاضِي، وَلَوِ الَّتِي هِيَ حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ نَقَلَتِ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمَاضِي، وَإِنْ قَدَّرْتَ أَنَّ وَمَا بَعْدَهَا جُمْلَةً اسْمِيَّةً عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فَهِيَ عَطْفٌ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ أَنَّ لَوْ تَأْتِي بَعْدَهَا الْجُمْلَةُ الْمُقَدَّرَةُ اسْمِيَّةً إِذَا كَانَ الَّذِي يَنْسَبِكُ إِلَيْهَا أَنَّ وَمَعْمُولَاهَا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ:

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْ آوِي مُسْتَأْنَفًا انْتَهَى. وَيَجُوزُ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَنْ تَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى بَلْ، وَيَكُونُ قَدْ أَضْرَبَ عَنِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَقَالَ: بَلْ آوِي فِي حَالِي مَعَكُمْ إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَكَنَّى بِهِ عَنْ جَنَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَرَأَ شَيْبَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: أَوْ آوِي بِنَصْبِ الْيَاءِ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ، أَوْ فَتَتَقَدَّرُ بِالْمَصْدَرِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: قُوَّةً. وَنَظِيرُهُ مِنَ النَّصْبُ بِإِضْمَارِ أَنَّ بَعْدَ أَوْ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَوْلَا رِجَالٌ مِنْ رِزَامَ أَعِزَّةٌ ... وآل سُبَيْعٍ أَوْ يَسُوؤُكَ عَلْقَمَا

أَيْ أَوْ وَمُسَاءَتُكَ عَلْقَمًا.

قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما


(١) سورة الرعد: ١٣/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>