للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوسُفَ، أَوِ الْمُبِينُ مِنْ جِهَةِ بَيَانِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَجَوْدَتِهِ، إِذْ فِيهِ سِتَّةُ أَحْرُفٍ لَمْ تُجْمَعْ فِي لِسَانٍ، رُوِيَ هَذَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَهِيَ الطَّاءُ، وَالظَّاءُ، وَالضَّادُ، وَالصَّادُ، وَالْعَيْنُ، وَالْخَاءُ انْتَهَى. وَالضَّمِيرُ فِي إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ، عَائِدٌ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ قِصَّةُ يُوسُفَ، وَقِيلَ: عَلَى الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: عَلَى نَبَأِ يُوسُفَ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقِيلَ:

هو ضمير الإنزال. وقرآنا هُوَ الْمَعْطُوفُ بِهِ، وَهَذَانِ ضَعِيفَانِ. وَانْتَصَبَ قُرْآنًا، قِيلَ: عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ، وَقِيلَ عَلَى الْحَالِ الْمُوطِّئَةِ. وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وعربيا مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَرَبِ. وَالْعَرَبُ جَمْعُ عَرَبِيٍّ، كَرُومٍ وَرُومِيٍّ، وَعَرِبَةُ نَاحِيَةُ دَارِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وَعَرْبَةُ أَرْضٍ مَا يُحِلُّ حَرَامَهَا ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا اللَّوْذَعِيُّ الْحُلَاحِلُ

وَيَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحِلَّتْ لَهُ مَكَّةُ. وَسَكَّنَ رَاءَ عَرْبَةُ الشَّاعِرُ ضَرُورَةً. قِيلَ: وَإِنْ شِئْتَ نَسَبْتَ الْقُرْآنَ إِلَيْهَا ابْتِدَاءً أَيْ: عَلَى لُغَةِ أَهْلِ هَذِهِ النَّاحِيَةِ. لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ مَا تَضَمَّنَ مِنَ الْمَعَانِي، وَاحْتَوَى عَلَيْهِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ فَتُؤْمِنُونَ، إِذْ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَقِيلَ: لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ «١» .

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:

الْقَصَصِ: مَصْدَرُ قَصَّ، وَاسْمُ مَفْعُولٍ إِمَّا لِتَسْمِيَتِهِ بِالْمَصْدَرِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْفِعْلِ يَكُونُ لِلْمَفْعُولِ، كَالْقَبْضِ وَالنَّقْصِ. وَالْقَصَصُ هُنَا يَحْتَمِلُ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ. فَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرَ فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ أَحْسَنَ أَنَّهُ اقْتُصَّ عَلَى أَبْدَعِ طَرِيقَةٍ، وَأَحْسَنِ أُسْلُوبٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُقْتَصٌّ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ، وَفِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ، وَلَا تَرَى اقْتِصَاصَهُ فِي كِتَابٍ مِنْهَا مُقَارِبًا لِاقْتِصَاصِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولَ فَكَانَ أَحْسَنَهُ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ وَالنُّكَتِ والعجائب التي ليس فِي غَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَحْسَنُ مَا يُقَصُّ فِي بَابِهِ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ، يراد في فنه.


(١) سورة فصلت: ٤١/ ٤٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>