للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِانْفِرَادِهَا عَنْ سَائِرِهَا بِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالشَّيَاطِينِ، وَالْجِنِّ، وَالْإِنْسِ، وَالْأَنْعَامِ، وَالطَّيْرِ، وَسِيَرِ الْمُلُوكِ، وَالْمَمَالِكِ، وَالتُّجَّارِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ وَكَيْدِهِنَّ وَمَكْرِهِنَّ، مَعَ مَا فِيهَا مِنَ ذِكْرِ التَّوْحِيدِ، وَالْفِقْهِ، وَالسِّيَرِ، وَالسِّيَاسَةِ، وَحُسْنِ الْمِلْكَةِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ، وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَالْحِيَلِ، وَتَدْبِيرِ الْمَعَاشِ، وَالْمَعَادِ، وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، فِي الْعِفَّةِ، وَالْجِهَادِ، وَالْخَلَاصِ مِنَ الْمَرْهُوبِ إِلَى الْمَرْغُوبِ، وَذِكْرِ الْحَبِيبِ وَالْمَحْبُوبِ، وَمَرْأَى السِّنِينَ وَتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، وَالْعَجَائِبِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَقِيلَ: كَانَتْ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذُكِرَ فِيهَا كَانَ مَآلُهُ إِلَى السَّعَادَةِ. انْظُرْ إِلَى يُوسُفَ وَأَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ وَامْرَأَةِ الْعَزِيزِ والملك أسلم بيوسف وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ. وَمُعَبِّرِ الرُّؤْيَا السَّاقِي، وَالشَّاهِدِ فِيمَا يُقَالُ. وَقِيلَ: أَحْسُنُ هُنَا لَيْسَتْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، بَلْ هِيَ بِمَعْنَى حَسَنٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: حَسَنَ الْقَصَصِ، مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ أي: القصص الحسن. وما في بما أَوْحَيْنَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: بِإِيحَائِنَا. وَإِذَا كَانَ الْقَصَصُ مَصْدَرًا فَمَفْعُولُ نَقُصُّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ هَذَا الْقُرْآنَ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ، إِذْ تَنَازَعَهُ نَقُصُّ. وأوحينا فَأُعْمِلَ الثَّانِي عَلَى الْأَكْثَرِ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْ قَبْلِهِ يَعُودُ عَلَى الْإِيحَاءِ. وَتَقَدَّمَتْ مَذَاهِبُ النُّحَاةِ فِي أَنِ الْمُخَفَّفَةِ وَمَجِيءِ اللَّامِ فِي ثاني الجزءين. وَمَعْنَى مِنَ الْغَافِلِينَ: لَمْ يَكُنْ لَكَ شُعُورٌ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَلَا سَبَقَ لَكَ عِلْمٌ فِيهَا، وَلَا طَرَقَ سَمْعَكَ طَرَفٌ مِنْهَا. وَالْعَامِلُ فِي إِذْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ: اذْكُرْ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنْ أَحْسَنَ الْقَصَصِ قَالَ: وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ الْوَقْتَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْقَصَصِ وَهُوَ الْمَقْصُوصُ، فَإِذَا قَصَّ وَقْتَهُ فَقَدْ قَصَّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ نَقُصُّ كَانَ الْمَعْنَى: نَقُصُّ عَلَيْكَ الْحَالَ، إِذْ وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ لَا تَتَّجِهُ حَتَّى تُخْلَعَ إِذْ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْوَقْتِ الْمَاضِي، وَتُجَرَّدَ لِلْوَقْتِ الْمُطْلَقِ الصَّالِحِ لِلْأَزْمَانِ كُلِّهَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِيَّةِ.

وَحَكَى مَكِّيٍّ أَنَّ الْعَامِلَ فِي إِذْ الْغَافِلِينَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ قَالَ: يَا بُنَيَّ، كَمَا تَقُولُ: إِذْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو، وَتَبْقَى إِذْ عَلَى وَضْعِهَا الْأَصْلِيِّ مِنْ كَوْنِهَا ظَرْفًا لِمَا مضى.

ويوسف اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ، وَتَقَدَّمَتْ سِتُّ لُغَاتٍ فِيهِ. وَمَنْعُهُ الصَّرْفَ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَسَفِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ لُغَاتِهِ يَكُونُ فِيهِ الْوَزْنُ الْغَالِبُ، لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ أَعْجَمِيًّا غَيْرَ أَعْجَمِيٍّ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ بِالْهَمْزِ وَفَتْحِ السِّينِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَالْأَعْرَجُ: يَا أَبَتَ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَالْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا، وَوَقَفَ الِابْنَانِ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ، وَهَذِهِ التَّاءُ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَتَجَامَعَ الْأَلِفُ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>