الْمُبَرِّدُ. بَلْ نَقُولُ: أَنَّ جَوَابَ لَوْلَا مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، كَمَا تَقُولُ جُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ، فَيُقَدِّرُونَهُ إِنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ، وَلَا يَدُلُّ قَوْلُهُ: أَنْتَ ظَالِمٌ عَلَى ثُبُوتِ الظُّلْمِ، بَلْ هُوَ مُثْبَتٌ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْفِعْلِ. وَكَذَلِكَ هُنَا التَّقْدِيرُ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهُمْ بِهَا، فكان موجدا الهم عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ، لَكِنَّهُ وَجَدَ رُؤْيَةَ الْبُرْهَانِ فَانْتَفَى الْهَمُّ. وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ. وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ وَلَهُمْ بِهَا كَانَ بَعِيدًا، فَكَيْفَ مَعَ سُقُوطِ اللَّامِ؟ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهَمَّ بِهَا هُوَ جَوَابُ لَوْلَا، وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْجَوَابِ فَاللَّامُ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ لِجَوَازِ أَنَّ مَا يَأْتِي جَوَابَ لَوْلَا إِذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي بِاللَّامِ، وَبِغَيْرِ لَامٍ تَقُولُ: لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُكَ، وَلَوْلَا زَيْدٌ أَكْرَمْتُكَ. فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَهَمَّ بِهَا هُوَ نَفْسُ الْجَوَابِ لَمْ يَبْعُدْ، وَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ إِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَإِنَّ جَوَابَ لَوْلَا فِي قَوْلِهِ: وَهَمَّ بِهَا، وَأَنَّ الْمَعْنَى لَوْلَا أَنْ رَأَى الْبُرْهَانَ لَهَمَّ بِهَا فَلَمْ يَهُمَّ يوسف عليه السلام قال، وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ لِسَانُ الْعَرَبِ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ: يَرُدُّهُ لِسَانُ الْعَرَبِ فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «١» فَقَوْلُهُ: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ، إِمَّا أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى أَنَّهُ الْجَوَابُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَابِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لَكَادَتْ تُبْدِي بِهِ. وَأَمَّا أَقْوَالُ السَّلَفِ فَنَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَكَاذِبَةٌ يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، مَعَ كَوْنِهَا قَادِحَةً فِي بَعْضِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَضْلًا عَنِ الْمَقْطُوعِ لَهُمْ بِالْعِصْمَةِ. وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْعَرَبِ، لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا جَوَابَ لَوْلَا مَحْذُوفًا، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوا لَهُمْ بِهَا. وَلَا يَدُلُّ كَلَامُ الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَ الشَّرْطِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ الشَّرْطِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْذَفُ الشَّيْءُ لِغَيْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ. وَقَدْ طَهَّرْنَا كِتَابَنَا هَذَا عَنْ نَقْلِ مَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مِمَّا لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ، وَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لِسَانُ الْعَرَبِ، وَمَسَاقُ الْآيَاتِ الَّتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْعِصْمَةِ، وَبَرَاءَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ كُلِّ مَا يَشِينُ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلْيُطَالِعْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَابْنُ عَطِيَّةَ، وَغَيْرُهُمَا.
(١) سورة القصص: ٢٨/ ١٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute