وَالْبُرْهَانُ الَّذِي رَآهُ يُوسُفُ هُوَ مَا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعِلْمِ الدَّالِّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَاللَّهُ لَا يُمَكِّنُ الْهَمَّ بِهِ فَضْلًا عَنِ الْوُقُوعِ فِيهِ. كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْكَافُ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ التَّثْبِيتِ ثَبَّتْنَاهُ أَوْ مَرْفُوعَةٌ أَيْ: الْأَمْرُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْكَافُ مِنْ قَوْلِهِ كَذَلِكَ، مُتَعَلِّقَةٌ بِمُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: جَرَتْ أَفْعَالُنَا وَأَقْدَارُنَا كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ. وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِتَقْدِيرِ عِصْمَتِهِ، كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، لِنَصْرِفَ عَنْهُ مَا هَمَّ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: كَذَلِكَ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ: أَرَيْنَاهُ الْبَرَاهِينَ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْ: أَمَرُ الْبَرَاهِينَ كَذَلِكَ، وَالنَّصْبُ أَجْوَدُ لِمُطَالَبَةِ حُرُوفِ الْجَرِّ لِلْأَفْعَالِ أَوْ مَعَانِيهَا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: كَذَلِكَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ: نُرَاعِيهِ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَقُولُ: إِنَّ التَّقْدِيرَ مِثْلَ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ، أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ الرَّأْيِ، نُرِي بَرَاهِينَنَا لِنَصْرِفَ عَنْهُ، فَتُجْعَلُ الْإِشَارَةُ إِلَى الرَّأْيِ أَوِ الرُّؤْيَةِ، وَالنَّاصِبُ لِلْكَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ ربه. ولنصرف مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ النَّاصِبِ لِلْكَافِ. وَمَصْدَرُ رَأَى رُؤْيَةٌ وَرَأْيٌ قَالَ:
وَرَأْيُ عَيْنَيَّ الْفَتَى أَبَاكَا ... يُعْطِي الْجَزِيلَ فَعَلَيْكَ ذَاكَا
وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: لِيَصْرِفَ، بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَائِدًا عَلَى رَبِّهِ. وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ، وَابْنُ كَثِيرٍ:
الْمُخْلِصِينَ إِذَا كَانَ فِيهِ إِلَى حَيْثُ وَقَعَ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِفَتْحِهَا. وَفِي صَرْفِ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ عَنْهُ وَكَوْنِهِ مِنَ الْمُخْلَصِينَ دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَتِهِ.
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ: أَيْ وَاسْتَبَقَ يُوسُفُ وَامْرَأَةُ الْعَزِيزِ إِلَى الْبَابِ هَذَا لِلْخُرُوجِ وَالْهُرُوبِ مِنْهَا، وَهَذِهِ لِمَنْعِهِ وَمُرَاوَدَتِهِ. وَأَصْلُ اسْتَبَقَ أَنْ يَتَعَدَّى بِإِلَى، فَحُذِفَ اتِّسَاعًا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبْوَابَ سَبْعَةٌ، فَكَانَ تَنْفَتِحُ لَهُ الْأَبْوَابُ بَابًا بَابًا مِنْ غَيْرِ مِفْتَاحٍ، عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ فِرَاشَ الْقُفْلِ كَانَ يَتَنَاثَرُ وَيَسْقُطُ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْأَبْوَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَبْوَابُ الْمُغْلَقَةُ لَيْسَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ بَابًا فَبَابًا، بَلْ تَكُونُ فِي جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كُلُّهَا مَنَافِذُ لِلْمَكَانِ الَّذِي كَانَا فِيهِ، فَاسْتَبَقَا إِلَى بَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ. وَلَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute