انْتَهَى. وَإِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى ضَمِّ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ هَاءَ السَّكْتِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ هَاءَ السَّكْتِ، وَكَانَ مَنْ أَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، لَمْ يَضُمَّ الْهَاءَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ فِي أَكْبَرْنَهُ عَلَى يُوسُفَ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ أَكْبَرَ بِمَعْنَى حَاضَ، فَتَكُونُ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ: أَكْبَرْنَ الْإِكْبَارَ. وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أَيْ جَرَحْنَهَا، كَمَا تَقُولُ: كُنْتُ أَقْطَعُ اللَّحْمَ فَقَطَعْتُ يَدِي. وَالتَّضْعِيفُ لِلتَّكْثِيرِ إِمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَثْرَةِ الْقَاطِعَاتِ، وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَكْثِيرِ الْحَزِّ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. فَالْجُرْحُ كَأَنَّهُ وَقَعَ مِرَارًا فِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَصَاحِبَتُهَا لا تشعر لما ذهلت بِمَا رَاعَهَا مِنْ جَمَالِ يُوسُفَ، فَكَأَنَّهَا غَابَتْ عَنْ حِسِّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَيْدِيَ هِيَ الْجَوَارِحُ الْمُسَمَّاةُ بِهَذَا الِاسْمِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَيْدِي هُنَا الْأَكْمَامُ، وَلَمَّا فَعَلْنَ هَذَا الْفِعْلَ الصَّعْبَ مِنْ جَرْحِ أَيْدِيهِنَّ، وَغَلَبَ عَلَيْهِنَّ مَا رَأَيْنَ مِنْ يُوسُفَ وَحُسْنِهِ قُلْنَ: حَاشَ لِلَّهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: حَاشَ لِلَّهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الشِّينِ، ولله بِلَامِ الْجَرِّ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: حَاشَا لِلَّهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَلَامِ الْجَرِّ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ الْأَعْمَشُ: حَشَى عَلَى وَزْنِ رَمَى لِلَّهِ بِلَامِ الْجَرِّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: حَاشَ بِسُكُونِ الشِّينِ وَصْلًا، وَوَقْفًا بِلَامِ الْجَرِّ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ: حَاشَى اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ، وَعَنْهُمَا كَقِرَاءَةِ أبي عمر، وقاله صَاحِبُ الْلَوَامِحِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: حَاشَ الْإِلَهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَحْذُوفًا مِنْ حَاشَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْلَوَامِحِ: بِحَذْفِ الْأَلِفِ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَرْفَ جَرٍّ يَجُرُّ مَا بَعْدَهُ. فَأَمَّا الْإِلَهُ فَإِنَّهُ فَكَّهُ عَنِ الْإِدْغَامِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ الْمَأْلُوهُ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ. قَالَ: وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْ حَاشَ لِلتَّخْفِيفِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَصَاحِبُ الْلَوَامِحِ: مِنْ أَنَّ الْأَلِفَ فِي حَاشَى فِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ مَحْذُوفَةٌ لَا تَتَعَيَّنُ، إِلَّا أَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقِفُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِسُكُونِ الشِّينِ، فَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، إِذِ الأصل حاشى الْإِلَهِ، ثُمَّ نُقِلَ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ وَحَرَّكَ اللَّامَ بِحَرَكَتِهَا، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِهَذَا التَّحْرِيكِ لِأَنَّهُ عَارِضٌ، كَمَا تَنْحَذِفُ فِي يَخْشَى الْإِلَهَ. وَلَوِ اعْتَدَّ بِالْحَرَكَةِ لَمْ تُحْذَفِ الْأَلِفُ. وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ: حَاشًا لِلَّهِ بِالتَّنْوِينِ كَرَعْيًا لِلَّهِ، فَأَمَّا الْقِرَاآتُ لِلَّهِ بِلَامِ الْجَرِّ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ أَبِي السَّمَّالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَاشَى، أَوْ حَاشَ، أَوْ حَشَى، أَوْ حَاشْ حَرْفُ جَرٍّ، لِأَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ لَا يَدْخُلُ عَلَى حَرْفِ الْجَرِّ، وَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِمَا بِالْحَذْفِ، وَأَصْلُ التَّصَرُّفِ بِالْحَذْفِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْحُرُوفِ. وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ كَابْنِ عَطِيَّةَ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِعْلِيَّتُهَا، وَيَكُونُ الْفَاعِلُ ضَمِيرَ يُوسُفَ أَيْ: حاشى يُوسُفَ أَنْ يُقَارِفَ مَا رَمَتْهُ بِهِ. وَمَعْنَى لِلَّهِ: لِطَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ لِمَكَانَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ لِتَرْفِيعِ اللَّهِ أَنْ يُرْمَى بِمَا رَمَتْهُ بِهِ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute