للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَائِمًا. وَلَعَلَّهُ يُجِيبُهَا إِلَى مُرَادِهَا عَلَى زَعْمِهَا ذَلِكَ، وَيُوسُفُ قَدْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا تُرِيدُهُ بِهِ مِنَ السُّوءِ.

وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ: مُتَّكِي مُشَدَّدُ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ بِوَزْنِ مُتَّقِي، فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ الِاتِّكَاءِ، وَفِيهِ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ كَمَا قَالُوا فِي تَوَضَّأْتُ تَوْضِئَةٌ. وَالثَّانِيَ: يَكُونُ مُفْتَعَلًا مِنْ أَوْكَيْتُ السِّقَاءَ إِذَا شَدَدْتُهُ أَيْ: مَا يَشْتَدِدْنَ عَلَيْهِ، إِمَّا بِالِاتِّكَاءِ، وَإِمَّا بِالْقَطْعِ بِالسِّكِّينِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ: مُتَّكِئًا مفعلا من تكأ يتكأ إِذَا اتَّكَأَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَابْنُ هُرْمُزَ: متكاء بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مِنَ الِاتِّكَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ أَشْبَعَ الْفَتْحَةَ فَتَوَلَّدَتْ مِنْهَا الْأَلِفُ كَمَا قَالُوا: وَمِنْ ذَمَّ الرِّجَالَ بِمُنْتَزَاحِ. وَقَالُوا:

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعَقْرَابِ ... الشَّائِلَاتِ عُقَدَ الْأَذْنَابِ

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَالْكَلْبِيُّ، وَإِبَانُ بْنُ تَغْلِبَ: متكئا بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَتَنْوِينِ الْكَافِ، وَجَاءَ كَذَلِكَ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَمُعَاذٌ، وَكَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا فَتَحَا الْمِيمَ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مُتْكٍ، وَمَتْكٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَتْ: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ، هَذَا الْخِطَابُ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَخُرُوجُهُ يَدُلُّ عَلَى طَوَاعِيَتِهَا فِيمَا لَا يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَخَرَجَ عَلَيْهِنَّ. وَمَعْنَى أَكْبَرْنَهُ:

أَعَظَمْنَهُ وَدَهِشْنَ بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ الْجَمَالِ الْفَائِقِ الرَّائِعِ.

قِيلَ: كَانَ فَضْلُ يُوسُفَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى نُجُومِ السَّمَاءِ.

وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُخْبِرَ بِلُقْيَا يُوسُفَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: «كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»

وَقِيلَ: كَانَ إِذَا سَارَ فِي أَزِقَّةِ مِصْرَ يُرَى تَلَأْلُؤُ وَجْهِهِ عَلَى الْجُدْرَانِ، كَمَا يُرَى نُورُ الشَّمْسِ.

وَقِيلَ: كَانَ يُشْبِهُ آدَمَ يَوْمَ خَلَقَهُ رَبُّهُ. وَقِيلَ: وَرِثَ الْجَمَالَ عَنْ جَدَّتِهِ سَارَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: مَعْنَاهُ حِضْنَ، وَأَنْشَدَ بَعْضُ النِّسَاءِ حُجَّةً لِهَذَا التَّأْوِيلِ:

تَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلَا ... تَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارَا

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالْبَيْتُ مَصْنُوعٌ مُخْتَلَقٌ، كَذَلِكَ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ، وَلَيْسَ عَبْدُ الصَّمَدِ مِنْ رُوَاةِ الْعِلْمِ رَحِمَهُ اللَّهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ أَكْبَرْنَ بِمَعْنَى حِضْنَ، وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ يُقَالُ: أَكْبَرَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا حَاضَتْ، وَحَقِيقَتُهُ مِنَ الْكِبَرِ لِأَنَّهَا بِالْحَيْضِ تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الصِّغَرِ إِلَى حَدِّ الْكِبَرِ، وَكَأَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ أَخَذَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلَهُ:

خَفِ اللَّهِ وَاسْتُرْ ذَا الْجَمَالَ بِبُرْقُعٍ ... فَإِنْ لُحْتَ حَاضَتْ فِي الْخُدُورِ الْعَوَاتِقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>