يَعْنِي: مَا يُكَالُ لَهُمْ، فَازْدَادُوا إِلَيْهِ مَا يُكَالُ لِأَخِيهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ يَعْقُوبَ: أَيْ حِمْلُ بَعِيرٍ وَاحِدٍ شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يُخَاطَرُ لِمِثْلِهِ بِالْوَلَدِ، كَقَوْلِهِ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ انْتَهَى. وَيَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ يَعْقُوبَ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ. وَهَذَا كُلُّهُ تَحْمِيلٌ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ مَا يَبْعُدُ تَحْمِيلُهُ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ. وَلَمَّا كَانَ يَعْقُوبُ غَيْرَ مُخْتَارٍ لِإِرْسَالِ ابْنِهِ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، عَلَّقَ إِرْسَالَهُ بِأَخْذِ الْمَوْثِقِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ، إِذْ بِهِ تُؤَكَّدُ الْعُهُودُ وَتُشَدَّدُ. ولتأتنني بِهِ جَوَابٌ لِلْحَلِفِ، لِأَنَّ مَعْنَى حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا: حَتَّى تَحْلِفُوا لِي لَتَأْتُنَّنِي بِهِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ، لَفْظٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ وُجُوهِ الْغَلَبَةِ، وَالْمَعْنَى: تَعُمُّكُمُ الْغَلَبَةُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَكُمْ حِيلَةٌ وَلَا وَجْهُ تَخَلُّصٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا أَنْ تُهْلَكُوا.
وَعَنْهُ أَيْضًا: إلا أن لا تُطِيقُوا ذَلِكَ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ مُرَاعَى فِي قَوْلِهِ:
لَتَأْتُنَّنِي، وَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا مَعْنَى النَّفْيِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: لَا تَمْتَنِعُونَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا لِأَنْ يُحَاطَ بِكُمْ. وَمِثَالُهُ مِنَ الْمُثْبَتِ فِي اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ قَوْلُهُمْ: أُنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَّا فَعَلْتَ أَيْ: مَا أُنْشُدُكَ إِلَّا الْفِعْلَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنَى مِنَ الْأَحْوَالِ مُقَدَّرًا بِالْمَصْدَرِ الْوَاقِعِ حَالًا، وَإِنْ كَانَ صَرِيحُ الْمَصْدَرِ قَدْ يَقَعُ حَالًا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا إِحَاطَةً بِكُمْ أَيْ: مُحَاطًا بِكُمْ، لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ أَنِ النَّاصِبَةَ لِلْفِعْلِ لَا تَقَعُ حَالًا وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِالْمَصْدَرِ الَّذِي قَدْ يَقَعُ بِنَفْسِهِ حَالًا. فَإِنْ جَعَلْتَ أَنْ وَالْفِعْلَ وَاقِعَةً مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ الْوَاقِعِ ظَرْفَ زَمَانٍ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَّا إِحَاطَةً بِكُمْ أَيْ: إِلَّا وَقْتَ إِحَاطَةٍ بِكُمْ. قُلْتُ: مَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فَقَالَ: مَا مَعْنَاهُ: يَجُوزُ خُرُوجُنَا صِيَاحَ الدِّيكِ أَيْ: وَقْتَ صِيَاحِ الدِّيكِ، وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُنَا أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ، وَلَا مَا يَصِيحُ الدِّيكُ.
وَإِنْ كَانَتْ أَنْ وَمَا مَصْدَرِيَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ ظَرْفًا الْمَصْدَرُ الْمُصَرَّحُ بِلَفْظِهِ. وَأَجَازَ ابْنُ جِنِّي أَنْ تَقَعَ أَنْ ظَرْفًا، كَمَا يَقَعُ صَرِيحُ الْمَصْدَرِ، فَأَجَازَ فِي قَوْلِ تَأَبَّطَ شَرًّا:
وَقَالُوا لَهَا لَا تَنْكِحِيهِ فَإِنَّهُ ... لِأَوَّلِ فَصْلٍ أَنْ يُلَاقِيَ مَجْمَعًا
وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ:
وَتَاللَّهِ مَا أن شهلة أُمُّ وَاحِدٍ ... بِأَوْجَدَ مِنِّي أَنْ يُهَانَ صَغِيرُهَا
أَنْ يكون أن يلاقي تَقْدِيرَهُ: وَقْتَ لِقَائِهِ الْجَمْعَ، وَأَنْ يَكُونَ أَنْ يُهَانَ تَقْدِيرَهُ: وَقْتَ إِهَانَةِ صَغِيرِهَا. فَعَلَى مَا أَجَازَهُ ابْنُ جِنِّي يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ الْآيَةُ وَيَبْقَى لَتَأْتُنَّنِي بِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute