ابْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا: الصُّوَاعُ الْمَكُّوكُ الْفَارِسِيُّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الْأَعَاجِمُ.
وَالسِّقَايَةُ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مُمَوَّهَةٍ بِالذَّهَبِ، أَوْ نُحَاسٍ، أَوْ مِسْكٍ، أَوْ كَانَتْ مُرَصَّعَةً بِالْجَوَاهِرِ أَقْوَالٌ أَوَّلُهَا لِلْجُمْهُورِ، وَلِعِزَّةِ الطَّعَامِ فِي تِلْكَ الْأَعْوَامِ قَصَرَ كَيْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْإِنَاءِ.
ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيْ: نَادَى مُنَادٍ، أَذَّنَ: أَعْلَمَ. وَآذَنَ أَكْثَرَ الْإِعْلَامَ، وَمِنْهُ الْمُؤَذِّنُ لكثرة ذلك منه. وثم تَقْتَضِي مُهْلَةً بَيْنَ جَعْلِ السِّقَايَةِ وَالتَّأْذِينِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ بِأَوْقَارِهَا وَخَرَجُوا مِنْ مِصْرَ أُدْرَكُوا وَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ مِصْرَ أُمِرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا، وَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ. وَالظَّاهِرُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْعِيرَ الْإِبِلُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ دَوَابُّهُمْ حَمِيرًا، وَمُنَادَاةُ الْعِيرِ وَالْمُرَادُ أَصْحَابُهَا كَقَوْلِهِ: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْخِطَابُ:
إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، فَرُوعِيَ الْمَحْذُوفُ، وَلَمْ يُرَاعَ الْعِيرُ كَمَا رُوعِيَ فِي ارْكَبِي. وَفِي قَوْلِهِ: وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تُطْلَقَ الْعِيرُ عَلَى الْقَافِلَةِ، أَوِ الرُّفْقَةِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّحَيُّلَ، وَرَمْيَ أَبْرِيَاءٍ بِالسَّرِقَةِ، وَإِدْخَالَ الْهَمِّ عَلَى يَعْقُوبَ، بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ. لَمَّا عَلِمَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاحِ، وَلَمَّا أَرَادَ مِنْ مِحْنَتِهِمْ بِذَلِكَ. وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانُوا بَاعُوا يُوسُفَ اسْتُجِيزَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ هَذَا، وَنِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا: وَإِنْ كَانَ الصُّوَاعُ إِنَّمَا وُجِدَ فِي رَحْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا تَقُولُ: بَنُو فُلَانٍ فَتَلُوا فُلَانًا، وَالْقَاتِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. قَالُوا: أَيْ إِخْوَةُ يُوسُفَ، وَأَقْبَلُوا جُمْلَةً حَالِيَّةً أَيْ: وَقَدْ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ، أَيْ: عَلَى طَالِبِيِ السِّقَايَةِ، أَوْ عَلَى الْمُؤَذِّنِ إِنْ كَانَ أُرِيدُ بِهِ جَمْعٌ. كَأَنَّهُ جَعَلَ مُؤَذِّنِينَ يُنَادُونَ، وَسَاءَهُمْ أَنْ يُرْمَوْا بِهَذِهِ الْمَثْلَبَةِ وَقَالُوا: مَاذَا تَفْقِدُونَ؟ لِيَقَعَ التَّفْتِيشُ فَتَظْهَرُ بَرَاءَتُهُمْ، وَلَمْ يَلُوذُوا بِالْإِنْكَارِ مِنْ أَوَّلُ، بَلْ سَأَلُوا كَمَالَ الدَّعْوَى رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا تُبْطَلُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى خِصَامٍ. وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَاذَا اسْتِفْهَامًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بتفقدون، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا وحدها استفهاما مبتدأ، وذا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي خَبَرٌ عَنْ ما، وتفقدون صِلَةٌ لِذَا، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ: تَفْقِدُونَهُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ: تُفْقِدُونَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَفْقَدْتُهُ إِذَا وَجَدْتَهُ فَقِيدًا نَحْوَ: أَحَمَدْتُهُ إِذَا أَصَبْتَهُ مَحْمُودًا. وَضَعَّفَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ، وَجْهُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَصُوَاعُ الْمَلِكِ هُوَ الْمِكْيَالُ، وَهُوَ السِّقَايَةُ سَمَّاهُ أَوَّلًا بِإِحْدَى جِهَتَيْهِ، وَآخِرًا بِالثَّانِيَةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ صُوَاعَ بِضَمِّ الصَّادِ، بَعْدَهَا وَاوٌ مَفْتُوحَةٌ، بَعْدَهَا أَلِفٌ، بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ جُبَيْرٍ فِيمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ كَسَرَ الصَّادَ. وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُجَاهِدٌ: صَاعَ بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ، فَالْأَلِفُ فِيهَا بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ. وَقَرَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute