للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ: بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِلَى مَا يَعْمَلُهُ فِتْيَانُ يُوسُفَ مِنْ أَمْرِ السِّقَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّرْكِيبُ بِمَا يَعْمَلُونَ بِغَيْرٍ كَانُوا، لَأَمْكَنَ عَلَى بُعْدِهِ، لِأَنَّ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ إِخْوَةِ يُوسُفَ. وَأَمَّا ذِكْرُ فِتْيَانِهِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمْ ذِكْرٌ إِلَّا فِي قَوْلِهِ:

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ، وَقَدْ حَالَ بَيْنَهُمَا قَصَصٌ. وَاتَّسَقَ الْكَلَامُ مَعَ الْإِخْوَةِ اتِّسَاقًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنِ الضَّمِيرِ عَائِدٌ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ يَلْقَى مِنْهُمْ قَدِيمًا مِنَ الْأَذَى، إِذْ قَدْ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ بِاجْتِمَاعِهِ بِأَخِيهِ يُوسُفَ. وَقَالَ وَهْبٌ: إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ فِي الْوُدِّ مَقَامَ أَخِيهِ الذَّاهِبِ، وَلَمْ يَكْشِفْ إِلَيْهِ الْأَمْرَ، بَلْ تَرَكَهُ تَجُوزُ عَلَيْهِ الْحِيلَةُ كَسَائِرِ إِخْوَتِهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ هُوَ يُوسُفُ، وَيَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَلِكًا أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، بَلْ جَعَلَ غَيْرَهُ مِنْ فِتْيَانِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَجْعَلَهَا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ وَهْبٍ: أَنَّهُ لَمْ يَكْشِفْ لَهُ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَأَنَّهُ تَرَكَهُ تَجُوزُ عَلَيْهِ الْحِيلَةُ.

وروي أنه قال ليوسف: أَنَا لَا أُفَارِقُكَ قَالَ: قَدْ عَلِمْتَ اغْتِمَامَ وَالِدِي، فَإِذَا حَبَسْتُكَ ازْدَادَ غَمُّهُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ أَنْسُبَكَ إِلَى مَا لَا يُحْمَلُ. قَالَ: لَا أُبَالِي، فَافْعَلْ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَدُسُّ صَاعِي فِي رَحْلِكَ، ثُمَّ أُنَادِي عَلَيْكَ بِأَنَّكَ سَرَقْتَهُ لِيَتَهَيَّأَ لِي رَدُّكَ بَعْدَ تَسْرِيحِكَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَافْعَلْ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَا نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَجَعَلَ السقاية في رحل أخيه، أَمْهَلَهُمْ حَتَّى انْطَلَقُوا، ثُمَّ أَذَّنَ. وَفِي نَقْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ وَجَعَلَ السِّقَايَةَ بِزِيَادَةِ وَاوٍ فِي جَعَلَ دُونَ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: فِي رَحْلِ أَخِيهِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ لَمَّا مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: فَقَدَهَا حَافِظُهَا كَمَا قِيلَ: إِنَّمَا أُوحِيَ إِلَى يُوسُفَ أَنْ يَجْعَلَ السِّقَايَةَ فَقَطْ، ثُمَّ إِنَّ حَافِظَهَا فَقَدَهَا، فَنَادَى بِرَأْيِهِ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ. وَتَفْتِيشُ الْأَوْعِيَةِ يَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَأْذِينَ الْمُؤَذِّنِ كَانَ عَنْ أَمْرِ يُوسُفَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ هَذَا الْجَعْلُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْ بِنْيَامِينَ، وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِعِلْمٍ مِنْهُ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ: السِّقَايَةُ إِنَاءٌ يَشْرَبُ بِهِ الْمَلِكُ، وَبِهِ كَانَ يُكَالُ الطَّعَامُ لِلنَّاسِ. وَقِيلَ: كَانَ يُسْقَى بِهَا الْمَلِكُ ثُمَّ جُعِلَتْ صَاعًا يُكَالُ بِهِ، وَقِيلَ: كَانَتِ الدَّوَابُّ تَسْقِي بِهَا وَيُكَالُ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الصُّوَاعُ هُوَ مِثْلُ الْمَكُّوكِ الْفَارِسِيِّ، وَكَانَ إِنَاءُ يُوسُفَ الَّذِي يَشْرَبُ فِيهِ، وَكَانَ إِلَى الطُّولِ مَاهِرٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِثْلُهُ يَشْرَبُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>