الْحِيلَةِ الَّتِي لَقَّنَهَا لِيُوسُفَ مَصَالِحَ عَظِيمَةً، فَجَعَلَهَا سَلَمًا وَذَرِيعَةً إِلَيْهَا، فَكَانَتْ حَسَنَةً جَمِيلَةً انْتَهَى. وَقَوْلُهُمْ: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ، لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهُ سَرَقَ، بَلْ أَخْرَجُوا ذَلِكَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ أَيْ: إِنْ كَانَ وَقَعَتْ مِنْهُ سَرِقَةٌ فَهُوَ يَتَأَسَّى مِمَّنْ سَرَقَ قَبْلَهُ، فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ. وَالتَّعْلِيقُ عَلَى الشَّرْطِ عَلَى أَنَّ السَّرِقَةَ فِي حَقِّ بِنْيَامِينَ وَأَخِيهِ لَيْسَ مَجْزُومًا بِهَا، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي رُمِيَ بِهِ بِنْيَامِينُ حَقًّا، فَالَّذِي رُمِيَ بِهِ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ حَقٌّ، لَكِنَّهُ قَوِيَ الظَّنُّ عِنْدَهُمْ فِي حَقِّ يُوسُفَ بِمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ جَرَى مِنْ بِنْيَامِينَ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ. وَقِيلَ: حَقَّقُوا السَّرِقَةَ فِي جَانِبِ بِنْيَامِينَ وَأَخِيهِ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَانَ قَدْ سَرَقَ فَغَيْرَ بِدْعٍ مِنِ ابْنَيْ رَاحِيلَ، لِأَنَّ أَخَاهُ يُوسُفَ قَدْ كَانَ سَرَقَ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ إِنْحَاءً عَلَى يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَقَدْ قِيلَ عَنْ يُوسُفَ إِنَّهُ سَرَقَ، وَقَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالْإِخْبَارِ بِأَمْرٍ جَرَى لِتَزُولَ الْمَعَرَّةُ عَنْهُمْ، وَتَخْتَصَّ بِالشَّقِيقَيْنِ. وَتَنْكِيرُ أَخٍ فِي قَوْلِهِ: فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ، لِأَنَّ الْحَاضِرِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ وَقَالُوا لَهُ: لِأَنَّهُ كَانَ شَقِيقَهُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ السَّرِقَةَ الَّتِي نُسِبَتْ هِيَ أَنَّ عَمَّتَهُ رَبَّتْهُ وَشَبَّ، وَأَرَادَ يَعْقُوبُ أَخْذَهُ، فَأَشْفَقَتْ مِنْ فِرَاقِهِ فَأَخَذَتْ مِنْطَقَةَ إِسْحَاقَ، وَكَانَتْ مُتَوَارَثَةً عِنْدَهُمْ، فَنَطَقَتْهُ بِهَا مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ ثُمَّ صَاحَتْ وَقَالَتْ: فَقَدْتُ الْمِنْطَقَةَ فَفَتَّشَتْ فَوُجِدَتْ عِنْدَ يُوسُفَ، فَاسْتَرَقَّتْهُ حَسْبَمَا كَانَ فِي شَرْعِهِمْ وَبَقِيَ عِنْدَهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَصَارَ عِنْدَ أَبِيهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: أَمَرَتْ أُمُّهُ أَنْ يَسْرِقَ صَنَمًا. وَفِي كِتَابِ الزَّجَّاجِ: مِنْ ذَهَبٍ لِأَبِيهَا فَسَرَقَهُ وَكَسَرَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهَا تَغْيِيرًا لِلْمُنْكَرِ.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ: إِنَّمَا أَكَلَ بَنُو يَعْقُوبَ طَعَامًا، فَأَخَذَ يُوسُفُ عَرْقًا فَنَحَّاهُ. وَقِيلَ: كَانَ فِي الْبَيْتِ غَاقٌ أَوْ دَجَاجَةٌ، فَأَعْطَاهَا السَّائِلَ.
وَقَرَأَ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَابْنُ أَبِي شُرَيْحٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ يَعْقُوبَ وَغَيْرُهُمْ: فَقَدْ سُرِّقَ بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا للفعول بِمَعْنَى نُسِبَ إِلَى السَّرِقَةِ، بِمَعْنَى جُعِلَ سَارِقًا وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَقِيقَةً. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَأَسَرَّهَا يُفَسِّرُهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ أَيْ: الْحَزَازَةُ الَّتِي حَدَثَتْ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ كَمَا فَسَّرَهُ فِي قَوْلِ حَاتِمٍ:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ نَفْسٌ وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
وَقِيلَ: أَسَرَّ الْمُجَازَاةَ، وَقِيلَ: الْحُجَّةُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اخْتَارَ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ تَفْسِيرَهُ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا، وَإِنَّمَا أُنِّثَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا جُمْلَةٌ أَوْ كَلِمَةٌ عَلَى تَسْمِيَتِهِمُ الطَّائِفَةَ مِنَ الْكَلَامِ كَلِمَةً، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَأَسَرَّ الْجُمْلَةَ أَوِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute