للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: فَأَسَرَّهُ بِضَمِيرِ تَذْكِيرٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُرِيدُ الْقَوْلَ أَوِ الْكَلَامَ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا، خِطَابُهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْوَجْهِ، فَكَأَنَّهُ أَسَرَّ كَرَاهِيَةَ مَقَالَتِهِمْ، ثُمَّ وَبَّخَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَكْذِيبِهِمْ وَتَقْوِيَةٌ أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَنْ يَشْفَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَعَدَلُوا إِلَى الشَّفَاعَةِ بِأَبِيهِ الشَّيْخِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ هَذَا الْكَلَامَ لَهُمْ مُوَاجَهَةً، إِنَّمَا قَالَهُ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: الَّذِي أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ الْمُتَقَدِّمُ. وَمَعْنَى شَرٌّ مَكَانًا أَيْ منزلة في السرق، لِأَنَّكُمْ سَارِقُونَ بِالصِّحَّةِ لِسَرِقَتِكُمْ أَخَاكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ. وَمَعْنَى أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ يَعْنِي: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ مِنْكُمْ، لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَكَيْفَ كَانَتْ سَرِقَةُ أَخِيهِ الَّتِي أَحَلْتُمْ سَرِقَتَهُ عَلَيْهِ.

وَرُوِيَ أَنْ رُوبِيلَ غَضِبَ وَوَقَفَ شَعْرُهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ ثِيَابِهِ، فَأَمَرَ يُوسُفُ ابْنًا لَهُ يَمَسُّهُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَقَالَ رُوبِيلُ: لَقَدْ مَسَّنِي أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ أَنَّهُمْ تَشَاوَرُوا فِي مُحَارَبَةِ يُوسُفَ وَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ لَا يُدَانُونَ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا أَحَسَّ يُوسُفَ بِذَلِكَ قَامَ إِلَى رُوبِيلَ فَلَبَّبَهُ وَصَرَعَهُ، فَرَأَوْا مِنْ قُوَّتِهِ مَا اسْتَعْظَمُوهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ.

قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ: اسْتَعْطَفُوا يُوسُفَ إِذْ كَانَ قَدْ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ. وَمَعْنَى كَبِيرًا فِي السِّنِّ، أَوِ الْقَدْرِ. وَكَانُوا قَدْ أَعْلَمُوا يُوسُفَ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ ابْنٌ قَدْ هَلَكَ، وَهَذَا شَقِيقُهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ، وَخَاطَبُوهُ بِالْعَزِيزِ إِذْ كَانَ فِي تِلْكَ الْخُطَّةِ بِعَزْلِ قِطْفِيرَ، أَوْ مَوْتِهِ عَلَى مَا سَبَقَ. وَمَعْنَى مَكَانَهُ أَيْ: بَدَلَهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِرْهَانِ أَوِ الِاسْتِعْبَادِ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عطية: يُحْتَمَلُ قَوْلُهُمْ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ حُرٍّ بِسَارِقٍ بَدَلَ مَنْ قَدْ أَحْكَمَتِ السُّنَّةُ رِقَّهُ، وَإِنَّمَا هَذَا كَمَنَ يَقُولُ لِمَنْ يُكْرَهُ فِعْلُهُ:

اقْتُلْنِي وَلَا تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ وَلَكِنَّكَ تُبَالِغُ فِي اسْتِنْزَالِهِ، وَعَلَى هَذَا يَتَّجِهُ قَوْلُ يُوسُفَ: مَعَاذَ اللَّهِ لِأَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ غَيْرِ جَائِزٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ حَقِيقَةً، وَبَعِيدٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَنْبِيَاءُ أَنْ يُرِيدُوا اسْتِرْقَاقَ حُرٍّ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ طَرِيقَ الْجَمَّالَةِ، أَيْ:

خُذْ أَحَدَنَا حَتَّى يَنْصَرِفَ إِلَيْكَ صَاحِبُكَ. وَمَقْصِدُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يَصِلَ بِنْيَامِينُ إِلَى أَبِيهِ وَيَعْرِفَ يَعْقُوبُ جَلِيَّةَ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ: مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَصَفُوهُ بِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ إِحْسَانِهِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، أَوْ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْيَدِ إِنْ أَسْدَيْتَهَا إِلَيْنَا، وَهَذَا تأويل ابن إسحاق ومعاذ اللَّهِ تَقَدَّمَ الْكَلَامِ فِيهِ فِي قَوْلِهِ: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي، وَالْمَعْنَى: وَجَبَ عَلَى قَضِيَّةِ فَتْوَاكُمْ أَخْذُ مَنْ وُجِدَ الصُّوَاعُ فِي رَحْلِهِ وَاسْتِعْبَادُهُ. فَلَوْ أَخَذْنَا غَيْرَهُ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا فِي مَذْهَبِكُمْ، فَلِمَ تَطْلُبُونَ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>