مَحْذُوفٍ أَيْ: مَا جِئْنَاكَ بِشَيْءٍ تَخَافُهُ، بَلْ جِئْنَاكَ بِالْعَذَابِ لِقَوْمِكَ، إِذْ كَانُوا يَمْتَرُونَ فِيهِ أَيْ:
يَشُكُّونَ فِي وُقُوعِهِ، أَوْ يُجَادِلُونَكَ فِيهِ تَكْذِيبًا لَكَ بِمَا وَعَدَتْهُمْ عَنِ اللَّهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَكِرَهُمْ لِكَوْنِهِمْ لَيْسُوا بِمَعْرُوفِينَ فِي هَذَا الْقُطْرِ، فَخَافَ الْهُجُومَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ إِذْ كَانُوا فِي صُورَةِ شَبَابٍ حِسَانٍ مُرْدٍ. وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ أَيْ: بِالْيَقِينِ مِنْ عَذَابِهِمْ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فِي الْإِخْبَارِ لِحُلُولِهِ بِهِمْ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي فَأَسْرِ.
وَرَوَى صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ فُسِّرَ مِنَ السَّيْرِ، وَحَكَاهَا ابن عطية وصاحب اللوامح عَنِ الْيَمَانِيِّ.
وَحَكَى الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ فِرْقَةً قَرَأَتْ بِقَطْعٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْقَطْعِ وَفِي الِالْتِفَاتِ فِي سُورَةِ هُودٍ. وَخَطَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا فَقَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَعْنَى أَمْرِهِ بِاتِّبَاعِ أَدْبَارِهِمْ، وَنَهْيِهِمْ عَنِ الِالْتِفَاتِ؟ (قُلْتُ) : قَدْ بَعَثَ اللَّهُ الْهَلَاكَ عَلَى قَوْمِهِ وَنَجَّاهُ وَأَهْلَهُ، إِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي شُكْرِ اللَّهِ وَإِدَامَةِ ذِكْرِهِ وَتَفْرِيغِ بَالِهِ، لِذَلِكَ فَأَمَرَ بِأَنْ يُقَدِّمَهُمْ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِمَنْ خَلْفَهُ قَلْبُهُ، وَلِيَكُونَ مُطَّلِعًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَهْوَالِهِمْ، فَلَا يُفَرِّطُ مِنْهُمُ الْتِفَاتَةٌ احْتِشَامًا مِنْهُ وَلَا غَيْرُهَا مِنَ الْهَفَوَاتِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمَهُولَةِ الْمَحْذُورَةِ، وَلِئَلَّا يَتَخَلَّفَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِغَرَضٍ لَهُ فَيُصِيبَهُ، وَلِيَكُونَ مَسِيرُهُ مَسِيرَ الْهَارِبِ الَّذِي تَقَدَّمَ سَرْيُهُ وَتَفَوَّتَ بِهِ.
وَحَيْثُ تُؤْمَرُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشَّامُ. وَقِيلَ: مَوْضِعُ نَجَاةٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَقِيلَ:
مِصْرُ. وَقِيلَ: إِلَى أَرْضِ الْخَلِيلِ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْيَقِينُ. وَحَيْثُ عَلَى بَابِهَا مِنْ أَنَّهَا ظَرْفُ مَكَانٍ، وَادِّعَاءٌ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ هُنَا ظَرْفَ زَمَانٍ مِنْ حَيْثُ أنه ليس في الآية أَمْرٌ إِلَّا قَوْلُهُ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: حَيْثُ تُؤْمَرُ ضَعِيفٌ. وَلَفْظُ تُؤْمَرُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ مِنْ حَيْثُ أُمِرْتُمْ، وَحَيْثُ مِنَ الظُّرُوفِ الْمَكَانِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ، وَلِذَلِكَ يَتَعَدَّى إِلَيْهَا الْفِعْلُ وَهُوَ: امْضُوا بِنَفْسِهِ، تَقُولُ: قَعَدْتُ حَيْثُ قَعَدَ زَيْدٌ، وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ دُخُولُ فِي عَلَيْهَا. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَأَصْبَحَ فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شَرِيدُهُمْ ... طَلِيقٌ وَمَكْتُوفُ الْيَدَيْنِ وَمُرْعِفُ
وَلَمَّا ضَمَّنَ قَضَيْنَا مَعْنَى أَوْحَيْنَا، تَعَدَّتْ تَعَدِّيَهَا بِإِلَى أَيْ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى لُوطٍ مَقْضِيًّا مَبْتُوتًا، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَعَدَهُ تَعَالَى مِنْ إِهْلَاكِ قَوْمِهِ. وأنّ دَابِرَ تَفْخِيمٌ لِلْأَمْرِ وَتَعْظِيمٌ لَهُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَخْفَشُ، أَوْ عَلَى إِسْقَاطِ الْبَاءِ أَيْ بأنّ دابر قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَجَوَّزَهُ الْحَوْفِيُّ. وَأَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ كِنَايَةً عَنِ الِاسْتِئْصَالِ. وَتَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute