تَفْسِيرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا «١» ومصبحين دَاخِلِينَ فِي الصَّبَاحِ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي مَقْطُوعٍ عَلَى الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُ وَقَدَّرَهُ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا كَانُوا مُصْبِحِينَ، كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ رَاكِبًا أَحْسَنُ مِنْكَ مَاشِيًا، فَإِنْ كَانَ تَفْسِيرَ مَعْنًى فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِعْرَابَ فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: أَنَّ دَابِرَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لَمَّا ضَمَّنَ قَضَيْنَا مَعْنَى أَوْحَيْنَا، فَكَانَ الْمَعْنَى: أَعْلَمْنَا، عَلَّقَ الْفِعْلَ فَكَسَرَ إِنَّ أَوْ لِمَا كَانَ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْإِيحَاءِ مَعْنَاهُ الْقَوْلُ كَسْرَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقُلْنَا: إِنَّ دَابِرَ وَهِيَ قِرَاءَةُ تَفْسِيرٍ لَا قُرْآنٍ، لِمُخَالَفَتِهَا السَّوَادَ. وَالْمَدِينَةُ: سَدُومُ، وَهِيَ الَّتِي ضُرِبَ بِقَاضِيهَا الْمَثَلُ فِي الْجَوْرِ.
وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: اسْتِبْشَارُهُمْ: فَرَحُهُمْ بِالْأَضْيَافِ الَّذِينَ وَرَدُوا عَلَى لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَجِيءَ وَمُحَاوَرَتَهُ مَعَ قَوْمِهِ فِي حَقِّ أَضْيَافِهِ، وَعَرْضِهِ بَنَاتِهِ عَلَيْهِمْ، كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ إِعْلَامِهِ بِهَلَاكِ قَوْمِهِ وَعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُمْ ضيفان خَوْفَ الْفَضِيحَةِ، لِأَجْلِ تَعَاطِيهِمْ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْفِعْلِ الْقَبِيحِ. وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُرَتَّبًا هَكَذَا فِي هُودٍ، وَالْوَاوُ لَا تُرَتَّبُ.
قال ابن عطية: ويحتمل أَنْ يَكُونَ الْمَجِيءُ وَالْمُحَاوَرَةُ بعد علمه بهلاكهم، وخاور تِلْكَ الْمُحَاوَرَةَ عَلَى جِهَةِ التَّكَتُّمِ عَنْهُمْ، وَالْإِمْلَاءِ لَهُمْ، وَالتَّرَبُّصِ بِهِمْ انْتَهَى. وَنَهَاهُمْ عَنْ فَضْحِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ مَنْ أَسَاءَ إِلَى ضَيْفِهِ أَوْ جَارِهِ فَقَدْ أَسَاءَ إِلَيْهِ. وَلَا تُخْزُونِ مِنَ الْخِزْيِ وَهُوَ الْإِذْلَالُ، أَوْ مِنَ الْخَزَايَةِ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ. وَفِي قَوْلِهِمْ: أَوْ لَمْ نَنْهَكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمَ نَهْيِهِمْ إِيَّاهُ عَنْ أَنْ يضيف، أو يجبر أَحَدًا، أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ، أَوْ يَمْنَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ. وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وعليه يَقُومُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْحَجْزِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَأَوْعَدُوهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَخْرَجُوهُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: بَنَاتِي، وَمَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي هود. وإن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ شَكَّ فِي قَبُولِهِمْ لِقَوْلِهِ: كَأَنَّهُ قَالَ إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أَقُولُ، وَلَكُمْ مَا أَظُنُّكُمْ تَفْعَلُونَ. وَقِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ دُونَ مَا حَرَّمَ.
وَاللَّامُ فِي لَعَمْرُكَ لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَالْكَافُ خِطَابٌ لِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالتَّقْدِيرُ: قَالَتِ
(١) سورة الأنعام: ٦/ ٤٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute