للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلَائِكَة لِلُوطٍ لَعَمْرُكَ، وَكَنَّى عَنِ الضَّلَالَةِ وَالْغَفْلَةِ بِالسَّكْرَةِ أي: تحيرهم فِي غَفْلَتِهِمْ، وَضَلَالَتِهِمْ مَنَعَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ الصَّوَابِ الَّذِي يُشِيرُ بِهِ مِنْ تَرْكِ الْبَنِينَ إِلَى الْبَنَاتِ. وَقِيلَ:

الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الْحَوْرَاءِ، وَغَيْرُهُمَا. أَقْسَمَ تَعَالَى بِحَيَاتِهِ تَكْرِيمًا لَهُ. وَالْعَمْرُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا الْبَقَاءُ، وَأَلْزَمُوا الْفَتْحَ الْقَسَمَ، وَيَجُوزُ حَذْفُ اللَّامِ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَمْرُكَ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: لَعَمْرُكَ لَدِينُكَ الَّذِي يَعْمُرُ، وَأَنْشَدَ:

أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرُكَ اللَّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ

أَيْ: عِبَادَتُكَ اللَّهَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَمَرْتُ رَبِّي أَيْ عَبَدْتُهُ، وَفُلَانٌ عَامِرٌ لِرَبِّهِ أَيْ عَابِدٌ.

قَالَ: وَيُقَالُ تَرَكْتُ فُلَانًا يَعْمُرُ رَبَّهُ أَيْ يَعْبُدُهُ، فَعَلَى هَذَا لَعَمْرُكَ لَعِبَادَتُكَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:

أَلْزَمُوا الْفَتْحَ الْقَسَمَ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يُكْثِرُونَ الْقَسَمَ بِلَعَمْرِي وَلَعَمْرُكَ فَلَزِمُوا الْأَخَفَّ، وَارْتِفَاعُهُ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَا أَقْسَمَ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي:

لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلَّهِ تَعَالَى عَمْرٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: هُوَ أَزَلِيٌّ، وَكَأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ العمر لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَا لَهُ انْقِطَاعٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَمْرُ، وَالْعَمْرُ الْبَقَاءُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللَّهُ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا

وَقَالَ الْأَعْشَى:

وَلَعَمْرُ مَنْ جَعَلَ الشُّهُورَ عَلَامَةً ... فَبَيَّنَ مِنْهَا نَقْصَهَا وَكَمَالَهَا

وَكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يُقَالَ: لَعَمْرِي، لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِحَيَاةِ الْمُقْسِمِ. وَقَالَ النَّابِغَةُ:

لَعَمْرِي وَمَا عَمْرِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ وَالضَّمِيرُ فِي سَكْرَتِهِمْ عَائِدٌ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: لِقُرَيْشٍ، وَهَذَا

مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ

قَالَ لَهُ: وَحَيَاتِكَ إِنَّهُمْ أَيْ قَوْمَكَ مِنْ قُرَيْشٍ لَفِي سَكْرَتِهِمْ أَيْ ضلالهم، وجهلهم يعمهون يتردّدون. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَهَذَا بَعِيدٌ لِانْقِطَاعِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَرَأَ الْأَشْهَبُ: سُكْرَتِهِمْ بِضَمِّ السِّينِ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: سَكَرَاتِهِمْ بِالْجَمْعِ، وَالْأَعْمَشُ: سُكْرِهِمْ بِغَيْرِ تَاءٍ، وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ الْجَهْضَمِيِّ:

أَنَّهُمْ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنَّهُمْ. وَالصَّيْحَةُ: صَيْحَةُ الْهَلَاكِ. وَقِيلَ: صَوْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هِيَ صَيْحَةُ الْوَحْشَةِ، وَلَيْسَتْ كَصَيْحَةِ ثَمُودَ مُشْرِقِينَ: دَاخِلِينَ فِي الشُّرُوقِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>