بُزُوغُ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: أَوَّلُ الْعَذَابِ كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، وَامْتَدَّ إِلَى شُرُوقِ الشَّمْسِ، فَكَأَنَّهُ تَمَامُ الْهَلَاكِ عِنْدَ ذَلِكَ. وَالضَّمِيرُ فِي عَالِيَهَا سَافِلَهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَدِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الذِّكْرِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِقُرَى قَوْمِ لُوطٍ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَفْظُ الْقُرَى. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ زَيْدٍ: لِلْمُتَوَسِّمِينَ، لِلْمُتَفَكِّرِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لِلنَّاظِرِينَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَوَ كُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ ... بَعَثُوا إِلَى عَرِيفِهِمْ يَتَوَسَّمُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لِلْمُتَبَصِّرِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لِلْمُعْتَبِرِينَ. وَرُوِيَ نَهْشَلٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ: لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَالضَّمِيرُ فِي وَإِنَّهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَدِينَةِ الْمُهْلَكَةِ أَيْ:
أَنَّهَا لِبِطْرِيقٍ ظَاهِرٍ بَيِّنٍ لِلْمُعْتَبِرِ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ. قِيلَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْآيَاتِ، ويحتمل أن يعود على الْحِجَارَةِ. وَقَوْلُهُ: لَبِسَبِيلٍ أَيْ مَمَرٍّ ثَابِتٍ، وَهِيَ بِحَيْثُ يَرَاهَا النَّاسُ وَيَعْتَبِرُونَ بِهَا لَمْ تَنْدَرِسْ. وَهُوَ تَنْبِيهٌ لِقُرَيْشٍ، وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ. وَقِيلَ: عَائِدٌ عَلَى الصَّيْحَةِ أَيْ: وَإِنَّ الصَّيْحَةَ لَبِمَرْصَدٍ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ لِقَوْلِهِ:
وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ. وَقِيلَ: مُقِيمٌ مَعْلُومٌ. وَقِيلَ: مُعْتَدٍ دَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
هَلَاكٌ دَائِمُ السُّلُوكِ إِنَّ فِي ذَلِكَ أَيَ: فِي صُنْعِنَا بِقَوْمِ لُوطٍ لَعَلَامَةً وَدَلِيلًا لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ.
وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ: هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ، وَالْأَيْكَةُ الَّتِي أُضِيفُوا إِلَيْهَا كَانَتْ شَجَرَ الدَّوْمِ. وَقِيلَ: الْمُقْلُ. وَقِيلَ: السِّدْرُ. وَقِيلَ:
الْأَيْكَةُ اسْمُ النَّاحِيَةِ، فَيَكُونُ عَلَمًا. وَيُقَوِّيهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ فِي الشُّعَرَاءِ وَص: لَيْكَةَ مَمْنُوعَ الصَّرْفِ. كَفَرُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحَرَّ، وَأُهْلِكُوا بِعَذَابِ الظُّلَّةِ. ويأتي ذلك مستوفى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في سورة الشعراء. وإن عند البصريين هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَعِنْدَ الْفَرَّاءِ نَافِيَةً، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَتَقَدَّمُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً «١» فِي الْبَقَرَةِ. وَالظَّاهِرُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَإِنَّهُمَا عَائِدٌ عَلَى قَرْيَتَيْ: قَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ. أَيْ:
عَلَى أَنَّهُمَا مَمَرُّ السَّائِلَةِ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى شُعَيْبٍ وَلُوطٍ أَيْ: وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ، أَيْ بِطَرِيقٍ مِنَ الْحَقِّ وَاضِحٍ، وَالْإِمَامُ الطَّرِيقُ. وَقِيلَ: وَإِنَّهُمَا أَيْ: الْحَرُّ بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ، لَفِي مَكْتُوبٍ مُبِينٍ أَيِ: اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَالَ مُؤَرِّجٌ: وَالْإِمَامُ الْكِتَابُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ.
وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ وَمَدْيَنَ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَيْهِمَا، فَدَلَّ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَعَادَ الضَّمِيرُ إليهما.
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٤٣.