أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا قَدْ أَنْزَلْنَا فِي الْكُتُبِ أَنَّكَ سَتَأْتِي نَذِيرًا وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُقْتَسِمِينَ أَهْلُ الْكِتَابِ انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ إِلَى آخِرِهِ فَقَدِ اسْتَعْذَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْكَافُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ أَنَا النَّذِيرُ بِعَذَابٍ مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَا وَإِنْ كَانَ الْمُنَزِّلُ اللَّهَ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ خَوَاصِّ الْمَلِكِ أُمِرَنَا بِكَذَا وَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ هُوَ الْآمِرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا الْمَعْنَى إِلَى آخِرِهِ فَكَلَامٌ مُثَبَّجٌ وَلَعَلَّهُ مِنَ النَّاسِخِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْزَلَنَا عَلَيْكَ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ مَتَّعْنَاهُمْ تَمْتِيعًا كَمَا أَنْزَلْنَا وَالْمَعْنَى مَتَّعْنَا بَعْضَهُمْ كَمَا عَذَّبْنَا بَعْضَهُمْ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ إِنْذَارٌ مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَا انْتَهَى. وَقِيلَ الْكَافُ زَائِدَةٌ التَّقْدِيرُ أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ هَذِهِ أَقْوَالٌ وَتَوْجِيهَاتٌ مُتَكَلَّفَةٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِأَنْ لَا يَحْزَنَ عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ وَأَمَرَهُ بِخَفْضِ جَنَاحِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرَهُمْ إِنَّهُ هُوَ النَّذِيرُ الْمُبِينُ لِئَلَّا يَظُنَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِخَفْضِ جَنَاحِهِ لَهُمْ خَرَجُوا مِنْ عُهْدَةِ النِّذَارَةِ فَأَمَرَهُ تَعَالَى بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ لَكُمْ وَلِغَيْرِكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ مَنْ يَخْشَاهَا وَتَكُونُ الْكَافُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَقُلْ قَوْلًا مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ إِنَّكَ نَذِيرٌ لَهُمْ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي النِّذَارَةِ كَالْقَوْلِ لِلْكُفَّارِ الْمُقْتَسِمِينَ لِئَلَّا يُظَنُّ إِنْذَارُكَ لِلْكَفَّارِ مُخَالِفٌ لِإِنْذَارِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ أَنْتَ فِي وَصْفِ النِّذَارَة لَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ تُنْذِرُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تُنْذِرُ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِينَ صِفَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ محذوف وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الذَّمِّ وَتَقَدَّمَ تَجْوِيزُ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِالنَّذِيرِ فَوَرَبِّكَ أَقْسَمَ تَعَالَى بِذَاتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ مُضَافًا إِلَى رَسُولِهِ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيفِ وَالضَّمِيرُ فِي لَنَسْأَلَنَّهُمْ يَظْهَرُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ وَهُوَ وَعِيدُهُ مِنْ سُؤَالِ تَقْرِيعٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَالسُّؤَالُ عَامٌّ لِلْخَلْقِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ كِنَايَةً عَنِ الجزاء وعن ما كَانُوا يَعْمَلُونَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَسْأَلُ الْعِبَادَ عَنْ حَالَتَيْنِ عَنْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَعَنْ مَا أَجَابُوا الْمُرْسَلِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقَالُ لَهُمْ لِمْ عَمِلْتُمْ كَذَا؟
قَالَ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ السُّؤَالُ عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَذَكَرَهُ الزَّهْرَاوِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَنِ الْوَفَاءِ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالصِّدْقِ لِمَقَالِهَا كَمَا قَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا الدِّينُ بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ امْضِ بِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ اجْهَرْ بِهِ وَأَظْهِرْهُ مِنَ الصَّدِيعِ وَهُوَ الْفَجْرُ قَالَ الشَّاعِرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute