بَيْنَهُمَا (قُلْتُ) : لَمَّا كَانَ ذلك تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن تَكْذِيبِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمُ اعْتَرَضَ بِمَا هُوَ مَدَدٌ لِمَعْنَى التَّسْلِيَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى دُنْيَاهُمْ وَالتَّأَسُّفِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمِنَ الْأَمْرِ بِأَنْ يُقْبِلَ بِمَجَامِعِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ انْتَهَى. أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَعَلُّقُ كَمَا بِآتَيْنَاكَ فَذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ وَهُوَ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي إِيتَاءً كَمَا أَنْزَلْنَا أَوْ إِنْزَالًا كَمَا أَنْزَلْنَا لِأَنَّ آتَيْنَاكَ بِمَعْنَى أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْمُقْتَسِمِينَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ اقْتَسَمُوا الْقُرْآنَ فَهُوَ قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ اقْتَسَمُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَبَعْضُهُمْ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ إِلَخْ فَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ هُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْوَلِيدُ وَالْعَاصِي والحرث بْنُ قَيْسٍ ذَكَرُوا الْقُرْآنَ فَمِنْ قَائِلِ الْبَعُوضِ لِي وَمِنْ قَائِلِ النَّمْلِ لِي وَقَائِلِ الذُّبَابِ لِي وَقَائِلِ الْعَنْكَبُوتِ لِي اسْتِهْزَاءً فَأَهْلَكَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَمَّا يقرأونه مِنْ كُتُبِهِمْ إِلَى آخِرِهِ فَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَأَمَّا قَوْلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ مَنْصُوبًا بِالنَّذِيرِ أَيْ أَنْذِرِ الْمُعْضِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِالنَّذِيرِ كَمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْمُبِينِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ إِذَا وُصِفَ قَبْلَ ذِكْرِ الْمَعْمُولِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ لَا يُجَوِّزُ هَذَا عَلِيمٌ شُجَاعٌ عِلْمَ النَّحْوِ فَتَفْصِلُ بَيْن عَلِيمٌ وَعِلْمَ بِقَوْلِهِ شُجَاعٌ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ تُذْكَرُ دَلَائِلُهَا فِي عِلْمِ النَّحْوِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِينَ يُجَزِّؤُونَ الْقُرْآنَ إِلَى سِحْرٍ وَشِعْرٍ وَأَسَاطِيرَ فَمَرْوِيٌّ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ شِعْرٍ كِهَانَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا مَدَاخِلَ مَكَّةَ فَهُوَ قَوْلُ السَّائِبِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ: لِيَقُلْ بَعْضُكُمْ كَاهِنٌ وَبَعْضُكُمْ سَاحِرٌ وَبَعْضُكُمْ شَاعِرٌ وَبَعْضُكُمْ غاو وهم حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو جَهْلٍ وَالْعَاصِي بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ وَزُهَيْرُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ وَالسَّائِبُ بْنُ صيفي والنضر بن احرث وأبو البختري بْنُ هِشَامٍ وَزَمَعَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَف وَأَوْسُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تَقَاسَمُوا عَلَى تَكْذِيبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهْلِكُوا جَمِيعًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُمُ الَّذِينَ تَقَاسَمُوا أَنْ يُبَيِّتُوا صَالِحًا فَقَوْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْكَافُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ عَذَابًا كَالَّذِي أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ فَالْكَافُ اسْمٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ هَذَا قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ كَمَا لَيْسَ مِمَّا يَقُولُهُ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْفَصِلُ الْكَلَامُ وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ هَذَا القول بأن يقدران اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ أَنْذِرْ عَذَابًا كَمَا وَالَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَقُلْ أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا قَالَ قَبْلَكَ رُسُلُنَا وَأَنْزَلَنَا عَلَيْهِمْ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute