للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا «١» وَقَوْلِهِ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ «٢» ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ «٣» وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْجَحْدَرِيُّ: حِينًا فِيهِمَا بِالتَّنْوِينِ، وَفَكِّ الْإِضَافَةِ.

وَجَعَلُوا الْجُمْلَتَيْنِ صِفَتَيْنِ حُذِفَ مِنْهُمَا الْعَائِدُ كَقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي «٤» وَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي حِينًا عَلَى هَذَا، إِمَّا الْمُبْتَدَأُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّجَمُّلِ، وَإِمَّا خَبَرُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ وَالْأَثْقَالُ. الْأَمْتِعَةُ: وَاحِدُهَا ثِقَلٌ. وَقِيلَ: الْأَجْسَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها «٥» أَيْ أَجْسَادَ بَنِي آدَمَ. وَقَوْلُهُ: إِلَى بَلَدٍ، لَا يُرَادُ بِهِ مُعَيَّنٌ أَيْ: إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ تَوَجَّهْتُمْ إِلَيْهِ لِأَغْرَاضِكُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مُعَيَّنٌ وَهُوَ مَكَّةَ، قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقِيلَ: مَدِينَةُ الرَّسُولِ. وَقِيلَ: مِصْرُ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى الْمُرَادِ، إِذِ الْمِنَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْحَمْلِ إِلَيْهَا. وَلَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ صِفَةٌ لِلْبَلَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ بِهَا، وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى بُعْدِ الْبَلَدِ، وَأَنَّهُ مَعَ الِاسْتِعَانَةِ بِهَا بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ. أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ بِأَنْفُسِكُمْ دُونَهَا إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ عَنْ أَنْ تَحْمِلُوا عَلَى ظُهُورِكُمْ أَثْقَالَكُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِشِقِّ بِكَسْرِ الشِّينِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَالْأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَعُمَرُ بْنُ مَيْمُونٍ، وَابْنُ أَرْقَمَ: بِفَتْحِهَا. وَرُوِيَتْ عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو، وَهُمَا مَصْدَرَانِ مَعْنَاهُمَا الْمَشَقَّةُ. وَقِيلَ: الشَّقُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ، وَيَعْنِي بِهِ: الْمَشَقَّةَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي الكسر:

أذي إِبِلٍ يَسْعَى وَيَحْسَبُهَا لَهُ ... أَخِي نَصَبٍ مِنْ شِقِّهَا ودؤوب

أَيْ مَشَقَّتِهَا. وَشِقُّ الشَّيْءِ نِصْفُهُ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الْفَرَّاءُ هُنَا أَيْ: يُذْهِبَانِ نِصْفَ الْأَنْفُسِ، كَأَنَّهَا قَدْ ذَابَتْ تَعَبًا وَنَصَبًا كَمَا تَقُولُ: لَا تَقْدِرُ عَلَى كَذَا إِلَّا بِذَهَابِ جُلِّ نَفْسِكَ، وَبِقِطْعَةٍ مِنْ كَبِدِكَ. وَنَحْوِ هَذَا مِنَ الْمَجَازِ. وَيُقَالُ: أَخَذْتُ شِقَّ الشَّاةِ أَيْ نِصْفَهَا وَالشِّقُّ: الْجَانِبُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَشَقٌّ اسْمُ كَاهِنٍ. وَنَاسَبَ الِامْتِنَانَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ مِنْ حَمْلِهَا الْأَثْقَالَ الْخَتْمُ بِصِفَةِ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، لِأَنَّ مِنْ رَأْفَتِهِ تَيْسِيرُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَتَسْخِيرُ الْأَنْعَامِ لَكُمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِنَنَهُ بِالْأَنْعَامِ وَمَنَافِعَهَا الضَّرُورِيَّةِ، ذَكَرَ الِامْتِنَانَ بِمَنَافِعِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَيْسَتْ بِضَرُورِيَّةٍ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَالْخَيْلَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى وَالْأَنْعَامَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالرَّفْعِ. وَلَمَّا كَانَ الرُّكُوبُ أَعْظَمَ مَنَافِعِهَا اقْتُصِرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لكل


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٤٦.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٤.
(٣) سورة الأنعام: ١٨/ ١٣.
(٤) سورة البقرة: ٢/ ٤٨. [.....]
(٥) سورة الزلزلة: ٩٩/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>