الْخَيْلِ، خِلَافًا لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ. وَانْتَصَبَ وَزِينَةً، وَلَمْ يَكُنْ بِاللَّامِ، وَوُصِلَ الْفِعْلُ إِلَى الرُّكُوبِ بِوَسَاطَةِ الْحَرْفِ، وَكِلَاهُمَا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: خَلَقَهَا، وَالرُّكُوبُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ لَهُمْ ذَلِكَ فَانْتَفَى شَرْطُ النَّصْبِ، وَهُوَ: اتِّحَادُ الْفَاعِلِ، فَعُدِّيَ بِاللَّامِ.
وَالزِّينَةُ مِنْ وَصْفِ الْخَالِقِ، فَاتَّحَدَ الْفَاعِلُ، فَوَصَلَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَزِينَةً نُصِبَ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: وَجَعَلْنَاهَا زِينَةً. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لِتَرْكَبُوهَا زِينَةً بِغَيْرِ وَاوٍ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَالزِّينَةُ مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الِاسْمِ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي خَلَقَهَا، أَوْ مِنْ لِتَرْكَبُوهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ وَخَلَقَهَا زِينَةً لِتَرْكَبُوهَا، أَوْ يَجْعَلُ زِينَةً حَالًا مِنْ هَاءِ، وَخَلَقَهَا لِتَرْكَبُوهَا وَهِيَ زِينَةٌ وَجَمَالٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالنَّصْبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي تَرْكَبُوهَا. وَالظَّاهِرُ نَفْيُ الْعِلْمِ عَنْ ذَوَاتِ مَا يَخْلُقُ تَعَالَى، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمَعْنَى مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا كُلَّهَا لِمَنَافِعِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا بِأَنَّ لَهُ مِنَ الْخَلَائِقِ مَا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ، لِنَزْدَادَ دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِهِ بِالْإِخْبَارِ، وَإِنْ طَوَى عَنَّا عِلْمَهُ حِكْمَةً لَهُ فِي طَيِّهِ، وَمَا خَلَقَ تَعَالَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ لَا يُحِيطُ بِعِلْمِهِ بَشَرٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا لَا تَعْلَمُونَ، أَصْلَ حُدُوثِهِ كَالسُّوسِ فِي النَّبَاتِ وَالدُّودِ فِي الْفَوَاكِهِ. وَقَالَ ابْنُ بحر: لا تَعْلَمُونَ كَيْفَ يَخْلُقُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَزَادَ بَعْدُ فِي الْجَنَّةِ وَفِي النَّارِ لِأَهْلِهَا، وَالْبَاقِي بِالْمَعْنَى.
وَرُوِيَتْ تَفَاسِيرُ فِي: مَا لَا تَعْلَمُونَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَالشَّعْبِيِّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا. وَيُقَالُ: لَمَّا ذَكَرَ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا ضَرُورِيًّا وَغَيْرَ ضَرُورِيٍّ، أَعْقَبَ بِذَكَرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ غَالِبًا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، إِذْ تَفَاصِيلُهُ خَارِجَةٌ عَنِ الْإِحْصَاءِ وَالْعَدِّ، وَالْقَصْدُ مَصْدَرٌ يَقْصِدُ الْوَجْهَ الَّذِي يَؤُمُّهُ السَّالِكُ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ، وَالسَّبِيلُ هُنَا مُفْرَدُ اللَّفْظِ. فَقِيلَ: مُفْرَدُ الْمَدْلُولِ، وَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ، وَهِيَ سَبِيلُ الشَّرْعِ، وَلَيْسَتْ لِلْجِنْسِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا جَائِرٌ. وَالْمَعْنَى: وَعَلَى اللَّهِ تَبْيِينُ طَرِيقِ الْهُدَى، وَذَلِكَ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَبِعْثَةِ الرُّسُلِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنَّ مِنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَاصِدَ فَعَلَى اللَّهِ رَحْمَتُهُ وَنَعِيمُهُ وَطَرِيقُهُ، وَإِلَى ذَلِكَ مصيره. وعلى أنّ لِلْعَهْدِ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهَا جَائِرٌ، عَائِدٌ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا مَعْنَى الْآيَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمِنَ السَّبِيلِ جَائِرٌ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، لِأَنَّ مُقَابِلَهَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْعِ، وَتَكُونُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمُرَادُ: فِرَقُ الضَّلَالَةِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute