الْمُخْتَلِفَةِ، إِذْ يُقَالُ: أَمِرَ الْقَوْمُ كَثُرُوا وَأَمِرَهُمُ اللَّهُ كَثَّرَهُمْ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُطَاوَعَةِ أَمِرَهُمُ اللَّهُ فَأَمِرُوا كَقَوْلِكَ شَتَرَ اللَّهُ عَيْنَهُ فَشُتِرَتْ، وَجَدَعَ أَنْفَهُ وَثَلَمَ سِنَّهُ فَثُلِمَتْ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَعِكْرِمَةُ. أَمَرْنا
بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَحَكَاهَا النَّحَّاسُ وَصَاحِبُ اللَّوَامِحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَدَّ الْفَرَّاءُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ إِذْ نُقِلَ أَنَّهَا لُغَةٌ كَفَتْحِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهَا كَثَّرْنَا. حَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ يُقَالُ: أَمَرَ اللَّهُ مَالَهُ وَأَمِرَهُ أَيْ كَثَّرَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا.
وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَسَلَّامٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَالْكَلْبِيُّ: آمَرْنَا بِالْمَدِّ
وَجَاءَ كَذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَابْنِ هُرْمُزَ، وَعَاصِمٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَنَافِعٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ يَعْقُوبَ وَمَعْنَاهُ كَثَّرْنَا. يُقَالُ أَمِرَ اللَّهُ الْقَوْمَ وَآمَرَهُمْ فَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ:
أَمَرْنا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْبَاقِرِ
وَعَاصِمٍ وَأَبِي عُمَرَ وَعُدِّيَ أَمَرَ بِالتَّضْعِيفِ، وَالْمَعْنَى أَيْضًا كَثَّرْنَا وَقَدْ يَكُونُ أَمَرْنا
بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى وَلَّيْنَاهُمْ وَصَيَّرْنَاهُمْ أُمَرَاءَ، وَاللَّازِمُ مِنْ ذَلِكَ أُمِّرَ فُلَانٌ إِذَا صَارَ أَمِيرًا أَيْ وَلِيَ الْأَمْرَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَا وَجْهَ لِكَوْنِ أَمَرْنا
مِنَ الْإِمَارَةِ لِأَنَّ رِيَاسَتَهُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا لِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ وَالْإِهْلَاكُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي مُدَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمِيرَ هُوَ الْمَلِكُ بَلْ كَوْنُهُ مِمَّنْ يَأْمُرُ وَيُؤْتَمَرُ بِهِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَمِيرًا مَنْ يُؤْتَمَرُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِكًا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ إِذَا مُلِّكَ عَلَيْهَا مُتْرَفٌ ثُمَّ فَسَقَ ثُمَّ آخَرُ فَفَسَقَ ثُمَّ كَذَلِكَ كَثُرَ الْفَسَادُ وَتَوَالَى الْكُفْرُ وَنَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْآخِرِ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي قرأت وقرىء بِحَضْرَتِي وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
الْآيَةَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ. فَأَقُولُ فِي النَّوْمِ: مَا أَفْصَحَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَالْقَوْلُ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ هُوَ وَعِيدُ اللَّهِ الَّذِي قَالَهُ رَسُولُهُمْ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ
لَأَمْلَأَنَّ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي.
وَالتَّدْمِيرُ الْإِهْلَاكُ مَعَ طَمْسِ الْأَثَرِ وَهَدْمِ الْبِنَاءِ. وَكَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى المفعول بأهلكنا أَيْ كَثِيرًا مِنَ الْقُرُونِ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ بَيَانٌ لِكَمْ وَتَمْيِيزٌ لَهُ كَمَا يُمَيَّزُ الْعَدَدُ بِالْجِنْسِ، وَالْقُرُونُ عَادٌ وَثَمُودُ وَغَيْرُهُمْ وَيَعْنِي بِالْإِهْلَاكِ هُنَا الْإِهْلَاكَ بِالْعَذَابِ، وَفِي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ وَقَالَ: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بَعْدِ آدَمَ لِأَنَّ نُوحًا أَوَّلُ نَبِيٍّ بَالَغَ قَوْمُهُ فِي تَكْذِيبِهِ، وَقَوْمُهُ أَوَّلُ مَنْ حَلَّتْ بِهِمُ الْعُقُوبَةُ بِالْعُظْمَى وَهِيَ الِاسْتِئْصَالُ بِالطُّوفَانِ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي عُمُرِ القرن ومِنَ الْأُولَى لِلتَّبْيِينِ وَالثَّانِيَةُ لِابْتِدَاءِ الغاية وتعلقا