بأهلكنا لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ مِنَ الثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذِهِ الْبَاءُ يَعْنِي فِي وَكَفى بِرَبِّكَ إِنَّمَا تَجِيءُ فِي الْأَغْلَبِ فِي مَدْحٍ أَوْ ذم انتهى. وبِذُنُوبِ عِبادِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ هِيَ أَسْبَابُ الْهَلَكَةِ، وخَبِيراً بَصِيراً تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِهَا فَيُعَاقِبُ عَلَيْهَا وَيَتَعَلَّقُ بِذُنُوبِ بِخَبِيرًا أَوْ بِبَصِيرًا. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: تَتَعَلَّقُ بِكَفَى انْتَهَى. وَهَذَا وَهْمٌ والْعاجِلَةَ هِيَ الدُّنْيَا وَمَعْنَى إِرَادَتِهَا إيثارها على الآخرة، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمُقَابِلُ في قوله: مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَالتَّقْدِيرُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ كَافِرٌ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ كَالْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي وَالْمُهَاجِرِ لِلدُّنْيَا وَالْمُجَاهِدِ لِلْغَنِيمَةِ وَالذِّكْرِ كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» .
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ فَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَنْ نَصِيبٍ» .
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَكَانُوا يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْغَنِيمَةِ لَا لِلثَّوَابِ، ومَنْ شَرْطٌ وَجَوَابُهُ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ فَقَيَّدَ الْمُعَجَّلَ بِمَشِيئَتِهِ أَيْ مَا يشاء تعجيله. ولِمَنْ نُرِيدُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ الضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى مَنِ الشَّرْطِيَّةِ، وَهِيَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَلَكِنْ جَاءَتِ الضَّمَائِرُ هُنَا عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى، فَقَيَّدَ الْمُعَجَّلَ بِإِرَادَتِهِ فَلَيْسَ مَنْ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ يَحْصُلُ لَهُ مَا يُرِيدُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَخْتَارُونَ الدُّنْيَا وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْهَا إِلَّا مَا قَسَمَهُ الله لهم، وكثيرا مِنْهُمْ يَتَمَنَّوْنَ النَّزْرَ الْيَسِيرَ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ شَقَاوَةَ الدُّنْيَا وَشَقَاوَةَ الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَا نَشاءُ بِالنُّونِ وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ مَا يَشَاءُ بِالْيَاءِ. فَقِيلَ الضَّمِيرُ فِي يَشَاءُ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ فَقِرَاءَةُ النُّونِ وَالْيَاءِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنِ الْعَائِدِ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي لَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَامًّا بَلْ لَا يَكُونُ لَهُ مَا يَشَاءُ إِلَّا آحاد أَرَادَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لِمَنْ نُرِيدُ يُقَدَّرُ مَعَ تَقْدِيرِهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، أَيْ لِمَنْ نُرِيدُ تَعْجِيلَهُ لَهُ أَيْ تَعْجِيلَ مَا نَشَاءُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ الْمَعْنَى لِمَنْ نُرِيدُ هَلَكَتَهُ وَمَا قَالَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظٌ فِي الْآيَةِ.
وجَعَلْنا بِمَعْنَى صَيَّرْنَا، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ جَهَنَّمَ وَالثَّانِي لَهُ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدَ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، فَنَقُولُ: جَهَنَّمُ لِلْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَهَؤُلَاءِ للجنة ويَصْلاها حَالٌ مِنْ جَهَنَّمَ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي لَهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغُنْيَانِ: مَفْعُولُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute