للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ ... وَمَنْ يَشْرَبِ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا

وَيُرْوَى أَبَا خَالِدٍ. وَقَالَ آخَرُ:

كَانَتْ فَرِيضَةَ مَا تَقُولُ كَمَا ... كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ

وَكَانَ الْمَعْنَى لَمْ يَزَلْ أَيْ لَمْ يَزَلْ فاحِشَةً أَيْ مَعْصِيَةً فَاحِشَةً أَيْ قَبِيحَةً زَائِدَةً فِي الْقُبْحِ وَساءَ سَبِيلًا أَيْ وَبِئْسَ طَرِيقًا طَرِيقُهُ لِأَنَّهَا سَبِيلٌ تُؤَدِّي إِلَى النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وسَبِيلًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ التَّقْدِيرُ، وَسَاءَ سَبِيلُهُ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ سَبِيلًا نَصْبًا عَلَى التَّمْيِيزِ فَإِنَّمَا هُوَ تَمْيِيزٌ لِلْمُضْمَرِ الْمُسَّتكِنِّ فِي ساءَ، وَهُوَ مِنَ الْمُضْمَرِ الَّذِي يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَسَاءَ سَبِيلُهُ سَبِيلًا لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ لَا يَكُونُ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ مُفَسَّرًا بِالتَّمْيِيزِ، وَيَبْقَى التَّقْدِيرُ أَيْضًا عَارِيًا عَنِ الْمَخْصُوصِ بِالذَّمِّ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ «١» فِي أَوَاخِرِ الْأَنْعَامِ قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذِهِ أَوَّلُ مَا نَزَلْ مِنْ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ انْتَهَى.

وَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ وَعَنْ إِيجَادِهِمْ مِنَ الطَّرِيقِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ فَانْتَقَلَ مِنَ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَنْهِيَّاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ كاندراج أَلَّا تَعْبُدُوا «٢» وَانْتَصَبَ مَظْلُوماً عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ المستكن فِي قُتِلَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ وَهُوَ الطَّالِبُ بِدَمِهِ شَرْعًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ انْدِرَاجُ مَنْ يَرِثُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْوَلِيِّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ عِنْدَهُمْ هُوَ الْوَارِثُ هُنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ شَيْءٌ مِنَ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ لِلرِّجَالِ. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ:

لَيْسَ إِلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ مِنَ الْعَفْوِ وَالدَّمِ وَلِلسُّلْطَانِ التَّسَلُّطُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ أَوْ حُجَّةٌ يُثْبِتُ بِهَا عَلَيْهِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عطية: وَالسُّلْطَانُ الْحُجَّةُ وَالْمَلِكُ الَّذِي جَعَلَ إِلَيْهِ مِنَ التَّخْيِيرِ فِي قَبُولِ الدَّمِ أَوِ الْعَفْوِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: السُّلْطَانُ الْقَوَدُ وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ السُّلْطَانُ الْقُوَّةُ وَالْوِلَايَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْبَيِّنَةُ فِي طَلَبِ الْقَوَدِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْقَوَدُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْحُجَّةُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْوَالِي أَيْ وَالِيًا يُنْصِفُهُ فِي حَقِّهِ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي فَلا يُسْرِفْ عَلَى الْوَلِيِّ، وَالْإِسْرَافُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أن يقتل غير


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٥١.
(٢) سورة الإسراء: ١٧/ ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>