للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاتِلِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ، أَوْ يَقْتُلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِي قُتِلَ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، أَوْ يُمَثِّلَ قَالَهُ قَتَادَةُ، أَوْ يَتَوَلَّى الْقَاتِلُ دُونَ السُّلْطَانِ ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: السَّلْطَنَةُ مُجْمَلَةٌ يُفَسِّرُهَا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ «١» الْآيَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْفَتْحِ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» .

فَمَعْنَى فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ لَا يُقْدِمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ، وَيَكْتَفِي بِأَخْذِ الدِّيَةِ أَوْ يَمِيلُ إِلَى الْعَفْوِ وَلَفْظَةُ فِي مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَاءِ أَيْ فَلَا يَصِيرُ مُسْرِفًا بِسَبَبِ إِقْدَامِهِ عَلَى الْقَتْلِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبَ فِي الْعَفْوِ كَمَا قَالَ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «٢» انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ بِحَقٍّ قَاتِلَ مُوَلِّيهِ لَا يصير مسرقا بِقَتْلِهِ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ النَّهْيُ عَمَّا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، وَقَتْلِ غَيْرِ الْقَاتِلِ وَالْمُثْلَةِ وَمُكَافَأَةِ الَّذِي يَقْتُلُ مَنْ قَتَلَهُ. وَقَالَ مُهَلْهَلٌ حِينَ قَتَلَ بُجَيْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبَّادٍ: بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ.

وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي فَلا يُسْرِفْ لَيْسَ عَائِدًا عَلَى الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى الْعَامِلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَمَنْ قُتِلَ أَيْ لَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ تَعَدِّيًا وَظُلْمًا فَيَقْتُلُ مَنْ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَلا يُسْرِفْ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ. وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَمُجَاهِدٌ بِخِلَافٍ وَجَمَاعَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ وَابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ وَهْمٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى خِطَابِ الْوَلِيِّ فَالضَّمِيرُ لَهُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ أَيْ فَلَا تَقْتُلُوا غَيْرَ الْقَاتِلِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ أَبُو مُسْلِمٍ السَّرَّاجُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَرَأَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّوْلَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ اللَّوَامِحِ أَوْ مُسْلِمٌ الْعِجْلِيُّ مَوْلَى صَاحِبِ الدَّوْلَةِ: فَلا يُسْرِفْ بِضَمِّ الْفَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ وَقَدْ يَأْتِي الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِأَبِي مُسْلِمٍ فِي الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَلَا تُسْرِفُوا فِي الْقَتْلِ إِنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ كَانَ مَنْصُورًا انْتَهَى. رَدَّهُ عَلَى وَلَا تَقْتُلُوا وَالْأَوْلَى حَمْلُ قَوْلِهِ إِنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ لِمُخَالَفَتِهِ السَّوَادَ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَفِيضَ عَنْهُ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً كَقِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ وَالضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِتَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ وَنَصْرُهُ إِيَّاهُ بِأَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْقِصَاصَ، فَلَا يُسْتَزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَصْرُهُ بِمَعُونَةِ السُّلْطَانِ وَبِإِظْهَارِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ. وَقِيلَ:


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٧٨. [.....]
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>