يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَقْتُولِ نَصَرَهُ اللَّهُ حَيْثُ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ بِقَتْلِهِ فِي الدُّنْيَا، وَنَصَرَهُ بِالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ الْمَظْلُومُ، وَلَفْظَةُ النَّصْرِ تُقَارِنُ الظُّلْمَ
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ»
وَكَقَوْلِهِ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»
إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْثِلَةِ. وَقِيلَ: عَلَى الْقَتْلِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ إِذَا قُتِلَ فِي الدُّنْيَا وَخَلَصَ بِذَلِكَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَقَدْ نُصِرَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ بَعِيدُ الْقَصْدِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي أنه الذي بقتله الْوَلِيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُسْرِفُ فِي قَتْلِهِ فَإِنَّهُ مَنْصُورٌ بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسْرِفِ انْتَهَى. وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ إِتْلَافِ النُّفُوسِ نَهَى عَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ كَمَا
قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» .
لما كَانَ الْيَتِيمُ ضَعِيفًا عَنْ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ مَالِهِ لِصِغَرِهِ نَصَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِ مَالِهِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَاخِرِ الْأَنْعَامِ. وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ عام فيما عقده الإنساب بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمِيٍّ فِي طَاعَةٍ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَهْدَ هُوَ الْمَسْئُولُ مِنَ الْمُعَاهِدِ أَنْ يفي به وَلَا يُضَيِّعَهُ أَوْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّخْيِيلِ، كَأَنَّهُ يُقَالُ لِلْعَهْدِ: لِمَ نُكِثْتَ، فَمُثِّلَ كَأَنَّهُ ذَاتٌ مِنَ الذَّوَاتِ تُسْأَلُ لِمَ نُكِثَتْ دَلَالَةً عَلَى الْمُطَاوَعَةِ بِنَكْثِهِ وَإِلْزَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَكْثِهِ، كَمَا جَاءَ وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ «١» فِيمَنْ قَرَأَ بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ التَّاءِ الَّتِي لِلْخِطَابِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إِنَّ ذَا العهد كان مسؤولا عَنْهُ إِنْ لَمْ يَفِ بِهِ.
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَبِالْوَزْنِ الْمُسْتَقِيمِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْمُعَامَلَةِ بِالْأَمْوَالِ. وَفِي قَوْلِهِ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ هُوَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْقِسْطاسِ القبان وهو القلسطون وَيُقَالُ الْقَرَسْطُونُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْقِسْطاسِ الْعَدْلُ لَا أَنَّهُ آلَةٌ. وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَحَفْصٌ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِالْإِبْدَالِ مِنَ السِّينِ الْأُولَى صَادًا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّفْظِيَّةُ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْقِسْطِ انْتَهَى. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِسْطِ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ لِأَنَّ الْقِسْطَ مَادَّتُهُ ق س ط، وَذَلِكَ مَادَّتُهُ ق س ط س إِلَّا أَنِ اعْتُقِدَ زِيَادَةُ السِّينِ آخِرًا كَسِينِ قدموس وضغيوس وَعُرْفَاسَ، فَيُمْكِنُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ زِيَادَةِ السِّينِ المقيسة والتقييد بقوله:
(١) سورة التكوير: ٨١/ ٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute