يُعَيِّنْهُ تَرَكَ ذَلِكَ إِلَى أَفْكَارِهِمْ وَجَوَلَانِهَا فِيمَا هُوَ أَصْلَبُ مِنَ الْحَدِيدِ، فَبَدَأَ أَوَّلًا بِالصُّلْبِ ثُمَّ ذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّرَقِّي الْأَصْلَبَ مِنْهُ ثُمَّ الْأَصْلَبَ مِنَ الْحَدِيدِ، أَيِ افْرِضُوا ذَوَاتِكُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ الْبَعْثِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كُنْتُمْ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ الَّذِي يَكْبُرُ الْمَوْتُ، أَيْ لَوْ كُنْتُمُ الْمَوْتَ لَأَمَاتَكُمْ ثُمَّ أَحْيَاكُمْ.
وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ لَا نَفْسُ الْأَمْرِ، لِأَنَّ الْبَدَنَ جِسْمٌ وَالْمَوْتَ عَرَضٌ وَلَا يَنْقَلِبُ الْجِسْمُ عَرَضًا وَلَوْ فُرِضَ انْقِلَابُهُ عَرَضًا لَمْ يَكُنْ لِيَقْبَلَ الْحَيَاةَ لِأَجْلِ الضِّدِّيَّةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الذي يكبر السموات وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَصْلَبَ شَيْءٍ وَأَبْعَدَهُ مِنْ حُلُولِ الْحَيَاةِ بِهِ كَانَ خَلْقُ الْحَيَاةِ فِيهِ مُمْكِنًا. قَالُوا: مَنِ الَّذِي هُوَ قَادِرٌ عَلَى صَيْرُورَةِ الْحَيَاةِ فِينَا وَإِعَادَتِنَا فَنَبَّهَهُمْ عَلَى مَا يَقْتَضِي الْإِعَادَةَ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَاخْتَرَعَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ هُوَ الَّذِي يُعِيدُكُمْ والَّذِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ التَّقْدِيرُ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يُعِيدُكُمْ فَيُطَابِقُ الْجَوَابُ السُّؤَالَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا أَيْ يُعِيدُكُمُ الَّذِي فَطَرَكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ، أَيْ مُعِيدُكُمُ الَّذِي فطركم وأَوَّلَ مَرَّةٍ ظَرْفٌ الْعَامِلُ فِيهِ فَطَرَكُمْ قَالَهُ الْحَوْفِيُّ.
فَسَيُنْغِضُونَ أَيْ يُحَرِّكُونَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَيَقُولُونَ: مَتَى هُوَ؟
أَيْ مَتَى الْعَوْدُ؟ وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّسْلِيمِ لِلْعَوْدِ. وَلَكِنْ حَيْدَةً وَانْتِقَالًا لِمَا لَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ إِمْكَانُهُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُسْأَلُ عَنْ تَعْيِينِ وُقُوعِهِ، وَلَكِنْ أَجَابَهُمْ عَنْ سُؤَالِهِمْ بِقُرْبِ وُقُوعِهِ لَا بِتَعْيِينِ زَمَانِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ فِي عَسى إِضْمَارٌ أَيْ عَسى هُوَ أَيِ الْعَوْدُ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعُهَا أَنْ يَكُونَ فَتَكُونَ تَامَّةً. وقَرِيباً يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ كَانَ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ الْعَوْدُ مُتَّصِفًا بِالْقُرْبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا أَيْ زَمَانًا قَرِيبًا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَوْمَ نَدْعُوكُمْ بَدَلًا مِنْ قَرِيبًا.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ظَرْفٌ لِيَكُونَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِاسْمِ كَانَ وَإِنْ كَانَ ضَمِيرَ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا يَعْمَلُ انْتَهَى. أَمَّا كَوْنُهُ ظَرْفًا لِيَكُونَ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ عَمَلِ كَانَ النَّاقِصَةِ فِي الظَّرْفِ وَفِيهِ خِلَافٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا يَعْمَلُ فَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَيُجِيزُونَ أَنْ يَعْمَلَ نَحْوِ مُرُورِي بِزَيْدٍ حَسَنٌ وهو بعمر وقبيح، يُعَلِّقُونَ بِعَمْرٍو بِلَفْظِ هُوَ أَيْ وَمُرُورِي بِعَمْرٍو قَبِيحٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدُّعَاءَ حَقِيقَةٌ أَيْ يَدْعُوكُمْ بِالنِّدَاءِ الَّذِي يُسْمِعُكُمْ وَهُوَ النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ كما قال يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ «١»
(١) سورة ق: ٥٠/ ٤١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute