الْآيَةَ وَيُقَالُ: إِنَّ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَادِي أَيَّتُهَا الْأَجْسَامُ الْبَالِيَةُ وَالْعِظَامُ النَّخِرَةُ وَالْأَجْزَاءُ الْمُتَفَرِّقَةُ عُودِي كَمَا كُنْتِ.
وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» .
وَمَعْنَى فَتَسْتَجِيبُونَ تُوَافِقُونَ الدَّاعِيَ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الدُّعَاءُ وَالِاسْتِجَابَةُ كِلَاهُمَا مَجَازٌ، وَالْمَعْنَى يَوْمَ يَبْعَثُكُمْ فَتَنْبَعِثُونَ مُطَاوِعِينَ مُنْقَادِينَ لَا تَمْتَنِعُونَ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْكُفَّارِ إِذِ الْكَلَامُ قَبْلَ ذَلِكَ مَعَهُمْ فَالضَّمِيرُ لَهُمْ وبِحَمْدِهِ حَالٌ مِنْهُمْ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهِيَ مُبَالَغَةٌ فِي انْقِيَادِهِمْ لِلْبَعْثِ كَقَوْلِكَ لِمَنْ تَأْمُرُهُ بِرُكُوبِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَيَتَأَبَّى وَيَمْتَنِعُ سَتَرْكَبُهُ وَأَنْتَ حَامِدٌ شَاكِرٌ، يَعْنِي أَنَّكَ تُحْمَلُ عَلَيْهِ وَتُقْسَرُ قَسْرًا حَتَّى أَنَّكَ تَلِينُ لِينَ المسمح الرَّاغِبِ فِيهِ الْحَامِدِ عَلَيْهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ينفضون التراب عن رؤوسهم وَيَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ انْتَهَى.
وَذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَى بِحَمْدِهِ أَنَّ الرَّسُولَ قَائِلٌ ذَلِكَ لَا أَنَّهُمْ يَكُونُ بِحَمْدِهِ حَالًا مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَسَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ قَرِيبَةً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَقُومُونَ بِخِلَافِ مَا تَعْتَقِدُونَ الْآنَ، وَذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى صِدْقِ خَبَرِي كَمَا تَقُولُ لِرَجُلٍ خَصَمْتَهُ أَوْ حَاوَرْتَهُ فِي عِلْمٍ: قَدْ أَخْطَأْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ فَبِحَمْدِ اللَّهِ لَيْسَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ أَخْطَأْتَ، بَلِ الْمَعْنَى أَخْطَأْتَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَهَذَا مَعْنًى مُتَكَلَّفٌ نَحَا إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَكَانَ بِحَمْدِهِ يَكُونُ اعْتِرَاضًا إِذْ مَعْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
أَيْ فَإِنِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا، كَمَا أَنَّ بِحَمْدِهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ وَوَقَعَ فِي لَفْظِ ابْنِ عَطِيَّةَ حِينَ قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: عَسَى أَنَّ السَّاعَةَ قَرِيبَةٌ وَهُوَ تَرْكِيبٌ لَا يَجُوزُ، لَا تَقُولُ عَسَى أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ بِخِلَافِ عَسَى أَنْ يَقُومَ زَيْدٌ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ بِحَمْدِهِ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ فَتَسْتَجِيبُونَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: حَمِدُوا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْحَمْدُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
بَيَّنَ النَّفْخَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُزَالُ عَنْهُمُ الْعَذَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا فَهَذَا عائد إلى لَبِثْتُمْ فِيمَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَقْرِيبُ وَقْتِ الْبَعْثِ فَكَأَنَّكَ بِالدُّنْيَا وَلَمْ تَكُنْ وَبِالْآخِرَةِ لَمْ تَزَلْ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى اسْتِقْلَالِ مُدَّةِ اللُّبْثِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَتَظُنُّونَ وَتَرَوْنَ الْهَوْلَ فَعِنْدَهُ تَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ لُبْثِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَتَحْسَبُونَهَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ تَحَاقَرَتِ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ عَايَنُوا الْآخِرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute