للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَوَجَدَا فِيهِمَا صِفَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقِيلَ: هُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ جَلَسُوا وَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَتَذَكَّرُوا أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ. وقرىء عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَشَعُوا وَسَجَدُوا لِلَّهِ وَقَالُوا: هَذَا وَقْتُ نُبُوَّةِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْرَاةِ وَهَذِهِ صِفَتُهُ، وَوَعْدُ اللَّهِ بِهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَجَنَحُوا إِلَى الْإِسْلَامِ هَذَا الْجُنُوحَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْ قَبْلِهِ عائد على القرآن كَمَا عَادَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. وقيل الضمير إن فِي بِهِ وَفِي مِنْ قَبْلِهِ عَائِدَانِ عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَاسْتَأْنَفَ ذِكْرَ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يُتْلى عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى التَّوْرَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ تَصْدِيقِ الْقُرْآنِ وَمَعْرِفَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْخُرُورُ هُوَ السُّقُوطُ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْهُ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ «١» وَانْتَصَبَ سُجَّداً عَلَى الْحَالِ، وَالسُّجُودُ وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ هُوَ غَايَةُ الْخُرُورِ وَنِهَايَةُ الْخُضُوعِ، وَأَوَّلُ مَا يَلْقَى الْأَرْضَ حَالَةَ السُّجُودِ الذَّقَنُ، أَوْ عَبَّرَ عَنِ الْوُجُوهِ بِالْأَذْقَانِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ بِبَعْضِ مَا يُلَاقِيهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فخرو الأذقان الْوُجُوهِ تَنُوشُهُمْ ... سِبَاعٌ مِنَ الطَّيْرِ الْعَوَادِي وَتَنْتِفُ

وَقِيلَ: أُرِيدَ حَقِيقَةُ الْأَذْقَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَكَانَ سُجُودُهُمْ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

الْمَعْنَى لِلْوُجُوهِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: حَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ ظَاهِرُ الْمَعْنَى إِذَا قُلْتَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَعَلَى ذَقْنِهِ فَمَا مَعْنَى اللَّامِ فِي خَرَّ لِذَقْنِهِ؟ قَالَ:

فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ قُلْتُ: مَعْنَاهُ جَعَلَ ذَقْنَهُ وَوَجْهَهُ لِلْخُرُورِ، وَاخْتَصَّهُ بِهِ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ انْتَهَى.

وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وسُبْحانَ رَبِّنا نَزَّهُوا اللَّهَ عَمَّا نَسَبَتْهُ إِلَيْهِ كَفَارُ قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ الْبَشَرَ رُسُلًا وَأَنَّهُ لَا يُعِيدُهُمْ لِلْجَزَاءِ، وَإِنْ هُنَا الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ الْمَعْنَى إِنَّ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ إِرْسَالِ مُحَمَّدٍ عِلْيَهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ قَدْ فَعَلَهُ وَأَنْجَزَهُ، وَنُكِّرَ الْخُرُورُ لِاخْتِلَافِ حَالَيِ السُّجُودِ وَالْبُكَاءِ، وَجَاءَ التَّعْبِيرُ عَنِ الْحَالَةِ الْأَوْلَى بِالِاسْمِ وَعَنِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُشْعِرٌ بِالتَّجَدُّدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبُكَاءَ ناشىء عَنِ التَّفَكُّرِ فَهُمْ دَائِمًا في


(١) سورة النحل: ١٦/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>