للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِكْرَةٍ وَتَذَكُّرٍ، فَنَاسَبَ ذِكْرُ الْفِعْلِ إِذْ هُوَ مُشْعِرٌ بِالتَّجَدُّدِ، وَلَمَّا كَانَتْ حَالَةُ السُّجُودِ لَيْسَتْ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَبَّرَ فِيهَا بِالِاسْمِ.

وَيَزِيدُهُمْ أَيْ مَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ خُشُوعاً أَيْ تَوَاضُعًا. وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى التَّيْمِيُّ:

مَنْ أُوتِيَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يُبْكِيهِ خَلِيقٌ أَنْ لَا يَكُونَ أوتي علما ينفعه لأن تَعَالَى نَعَتَ الْعُلَمَاءَ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا مُخَلِّصًا لِلْوَعِيدِ دُونَ التَّحْقِيرِ، الْمَعْنَى فَسَتَرَوْنَ مَا تُجَازَوْنَ بِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمُ الْمَثَلَ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيعِ بِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا كَمَا أَنْتُمْ فِي الْكُفْرِ بَلْ كَانَ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ فِي الْجُمْلَةِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ خَشَعُوا وَآمَنُوا انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى طَرَفٍ مِنْ هَذَا.

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَهَجَّدَ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَكَّةَ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ» . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو إِلَهًا وَاحِدًا فَهُوَ الْآنُ يَدْعُو إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ، مَا الرَّحْمَنُ إِلَّا رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ يَعَنُونَ مُسَيْلِمَةَ فَنَزَلَتْ قَالَهُ فِي التَّحْرِيرِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ نَحْوًا مِنْهُ عَنْ مَكْحُولٍ. وَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ يَدْعُو يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ، فَقَالُوا: كَانَ يَدْعُو إِلَهًا وَاحِدًا وَهُوَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ فَنَزَلَتْ.

وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَكْتُبُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ حَتَّى نَزَلَتْ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَكَتَبَهَا فَقَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: هَذَا الرَّحِيمُ نَعْرِفُهُ، فَمَا الرَّحْمَنُ؟ فَنَزَلَتْ:

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَتُقِلُّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا الِاسْمَ، فَنَزَلَتْ لَمَّا لَجُّوا فِي إِنْكَارِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ جَاءَهُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَالرَّفْضِ لِآلِهَتِهِمْ عَدَلُوا إِلَى رَمْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ رَجَعَ هُوَ إِلَيْهِ، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ الْآيَةَ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَا

قَوْلُهُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ أَوْ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ مِنَ الدُّعَاءِ

بِمَعْنَى النِّدَاءِ وَالْمَعْنَى: إِنْ دَعَوْتُمُ اللَّهَ فَهُوَ اسْمُهُ وَإِنْ دَعَوْتُمُ الرَّحْمَنَ فَهُوَ صِفَتُهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالدُّعَاءُ بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ لَا بِمَعْنَى النِّدَاءِ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، تَقُولُ: دَعْوَتُهُ زَيْدًا ثُمَّ تَتْرُكُ أَحَدَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>