للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّلَامُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِقِرَاءَتِهِ فَيَسُبُّ الْمُشْرِكُونَ وَيَلْغُونَ فَأُمِرَ بِأَنْ يَخْفِضَ مِنْ صَوْتِهِ حَتَّى لَا يُسْمِعَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْ لَا يُخَافِتَ حَتَّى يَسْمَعَهُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ أَيْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ سَبِيلًا وَسَطًا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَيْنَ ذلِكَ فِي قَوْلِهِ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ «١» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالْحَسَنُ: لَا تُحَسِّنُ عَلَانِيَتَهَا وَتُسِيءُ سِرِّيَّتَهَا. وَعَنْ عَائِشَةَ: الصَّلَاةُ يُرَادُ بِهَا هُنَا التَّشَهُّدُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ الْأَعْرَابُ يَجْهَرُونَ بِتَشَهُّدِهِمْ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسِرُّ قراءته وعمر يَجْهَرُ بِهَا. فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أُنَاجِي رَبِّي وَهُوَ يَعْلَمُ حَاجَتِي. وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسَنَانَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ ارْفَعْ أَنْتَ قَلِيلًا. وَقِيلَ لِعُمَرَ:

اخْفِضْ أَنْتَ قَلِيلًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْمَعْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلَاةِ النَّهَارِ وَلا تُخافِتْ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ وَالتَّوْرَاةِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ أَحْيَانًا فَيَرْفَعُ النَّاسُ مَعَهُ، وَيَخْفِضُ أَحْيَانًا فَيَسْكُتُ النَّاسُ خَلْفَهُ انْتَهَى. كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ زَمَانِنَا مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْحِينِ وَطَرَائِقِ النَّغَمِ الْمُتَّخَذَةِ لِلْغِنَاءِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَسْمَاؤُهُ أَمَرَ تَعَالَى أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِمَّا آتَاهُ مِنْ شَرَفِ الرِّسَالَةِ وَالِاصْطِفَاءِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيُعْتَقَدُ فِيهِ تَكَثُّرُ بِالنَّوْعِ، وَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْعَرَبِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَجَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ، وَالْعَرَبِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ. وَنَفَى أَوَّلًا الْوَلَدَ خُصُوصًا ثُمَّ نَفَى الشَّرِيكَ فِي مُلْكِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَلَدٌ فَيَشْرُكُهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَلَمَّا نَفَى الْوَلَدَ وَنَفَى الشَّرِيكَ نَفَى الْوَلِيَّ وَهُوَ النَّاصِرُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا أَوْ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ. وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ الْوَلِيِّ قَدْ يَكُونُ لِلِانْتِصَارِ وَالِاعْتِزَازِ بِهِ وَالِاحْتِمَاءِ مِنَ الذُّلِّ وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّفَضُّلِ وَالرَّحْمَةِ لِمَنْ وَالَى مِنْ صَالِحِي عِبَادِهِ كَانَ النَّفْيُ لِمَنْ يَنْتَصِرُ بِهِ مِنْ أَجْلِ الْمَذَلَّةِ، إِذْ كَانَ مَوْرِدُ الْوِلَايَةِ يَحْتَمِلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَنَفَى الْجِهَةَ الَّتِي لِأَجْلِ النَّقْصِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ فَإِنَّهُمَا نُفِيَا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَجَاءَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُسَمِّ وَلَمْ يَعُدَّ أَحَدًا وَلَدًا وَلَمْ يَنْفِهِ بِجِهَةِ التَّوَالُدِ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ في بداية الْعُقُولِ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لِنَفْيِهِ بِالْمَنْقُولِ وَلِذَلِكَ جَاءَ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا ولدا.


(١) سورة البقرة: ٢/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>