للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمْهُورِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْمُفْرَدِ أَوْلَى مِنَ الْوَصْفِ بِالْجُمْلَةِ، وَلِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَلَى أَحَدِ تَخْرِيجَيْهَا، تَكُونُ قَدْ بَدَأْتَ بِالْوَصْفِ بِالْجُمْلَةِ وَقَدَّمْتَهُ عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ، وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ لَا ذَلُولٌ الْمَنْفِيُّ مَعَهَا جُمْلَةٌ وَمُسَلَّمَةٌ مُفْرَدٌ، فَقَدْ قَدَّمْتَ الْوَصْفَ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتَسْقِي مَحْذُوفٌ، لِأَنَّ سَقَى يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: تُسْقِي بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَسْقَى، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَدْ قرىء: نَسْقِيكُمْ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا. مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُقَاتِلٌ، أَوْ مِنَ الشِّيَاتِ وَالْأَلْوَانِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ، أَوْ مِنَ الْعَمَلِ فِي الْحَرْثِ وَالسَّقْيِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَهْلَهَا أَعْفَوْهَا مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ:

أَوْ مُعْبِرُ الظَّهْرِ يُنْبِي عَنْ وَلَيْتَهُ ... مَا حَجَّ رَبَّهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا اعْتَمَرَا

أَوْ مِنَ الْحَرَامِ، لَا غَصْبَ فِيهَا وَلَا سَرِقَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا، بَلْ هِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ مُسَلَّمَةُ الْقَوَائِمِ وَالْخَلْقِ، قَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، أَوْ مُسَلَّمَةٌ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، لِتَكُونَ خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ، بَرِيئَةً مِنَ الْغُصُوبِ، مُكَمَّلَةَ الْخَلْقِ، شَدِيدَةَ الْأَسْرِ، كَامِلَةَ الْمَعَانِي، صَالِحَةً لِأَنْ تَظْهَرَ فِيهَا آيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَةُ رَسُولِهِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ: وَمُسَلَّمَةٌ، بِنَاءُ مُبَالَغَةٍ مِنَ السَّلَامَةِ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ: هِيَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّ وَزْنَهَا مُفَعَّلَةٌ مِنَ السَّلَامَةِ، وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الَّذِي فِي مُسَلَّمَةٌ لَيْسَ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ، بَلْ هُوَ تَضْعِيفُ النَّقْلِ وَالتَّعْدِيَةِ، يُقَالُ: سَلَّمَ كَذَا، ثُمَّ إِذَا عَدَّيْتَهُ بِالتَّضْعِيفِ، فَالتَّضْعِيفُ هُنَا كَهُوَ فِي قَوْلِهِ: فَرَّحْتُ زَيْدًا، إِذْ أَصْلُهُ: فَرِحَ زَيْدٌ، وَكَذَلِكَ هَذَا أَصْلُهُ: سَلَّمَ زيد، ثُمَّ يُضَعَّفُ فَيَصِيرُ يَتَعَدَّى. فَلَيْسَ إِذَنْ هُنَا مُبَالَغَةٌ بَلْ هُوَ الْمُرَادِفُ لِلْبِنَاءِ المتعدّي بالهمزة. لاشية فِيهَا: أَيْ لَا بَيَاضَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، أَوْ: لَا وَضَحَ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ لَوْنَيْنِ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ، أَوْ لَا عَيْبَ فِيهَا، أَوْ: لَا لَوْنَ يُخَالِفُ لَوْنَهَا مِنْ سَوَادٍ أَوْ بَيَاضٍ، أَوْ: لَا سَوَادَ فِي الْوَجْهِ وَالْقَوَائِمِ، وَهُوَ الشِّيَةُ فِي الْبَقَرِ، يُقَالُ ثَوْرٌ مُوَشًّى، إِذَا كَانَ فِي وَجْهِهِ وَقَوَائِمِهِ سَوَادٌ. وقيل: لا شِيَةَ فِيهَا، تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: مُسَلَّمَةٌ، أَيْ خَلُصَتْ صُفْرَتُهَا عَنْ أَخْلَاطِ سَائِرِ الْأَلْوَانِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالثَّوْرُ الْأَشْيَهُ الَّذِي ظَهَرَ بَلَقُهُ، يُقَالُ: فَرَسٌ أَبْلَقُ، وَكَبْشٌ أَخْرَجُ، وَتَيْسٌ أَبْرَقُ، وَكَلْبٌ أَبْقَعُ، وَثَوْرٌ أَشْيَهُ. كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْبَلِقَةِ. انْتَهَى. وَلَيْسَ الْأَشْيَهُ مَأْخُوذًا مِنَ الشِّيَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ.

قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ: قَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ بَعْدَهُ، وَقَرَأَ نَافِعٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>