بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَإِلْقَاءِ حَرَكَتِهَا عَلَى اللَّامِ، وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: حَذَفُ وَاوِ قَالُوا، إِذْ لَمْ يَعْتَدَّ بِنَقْلِ الْحَرَكَةِ، إِذْ هُوَ نَقْلٌ عَارِضٌ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: إِقْرَارُ الْوَاوِ اعْتِدَادًا بِالنَّقْلِ، وَاعْتِبَارًا لِعَارِضِ التَّحْرِيكِ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَمْ تُحْذَفْ إِلَّا لِأَجْلِ سُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا. فَإِذَا ذَهَبَ مُوجِبُ الْحَذْفِ عَادَتِ الْوَاوُ إِلَى حَالِهَا مِنَ الثُّبُوتِ. وَانْتِصَابُ الْآنَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَهُوَ ظَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُمْ: إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ إِلَى لَا شِيَةَ فِيها، وَالْعَامِلُ فِيهِ جِئْتَ، وَلَا يُرَادُ بِجِئْتَ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَجَاءَ، وَإِنَّمَا مَجَازُهُ نَطَقْتَ بِالْحَقِّ، فَبِالْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِجِئْتَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ تَكُونُ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَجَأْتَ الْحَقَّ، أَيْ إِنَّ الْحَقَّ كَانَ لَمْ يَجِئْنَا فَأَجَأْتَهُ. وَهُنَا وَصْفٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ بِالْحَقِّ الْمُبِينِ، أَيِ الْوَاضِحِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِشْكَالٌ، وَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ مُحَاوَرَةٍ حَاوَرَهَا مَعَهُمْ جَاءَ بِالْحَقِّ، فَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ هَذَا الْوَصْفُ لَمَا كَانَ لِتَقْيِيدِهِمْ مَجِيئَهُ بِالْحَقِّ بِهَذَا الطَّرَفِ الْخَاصِّ فَائِدَةٌ. وَقَدْ ذَهَبَ قَتَادَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا وَصْفَ مَحْذُوفٌ هُنَا، وَقَالَ: كَفَرُوا بِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ كَانَ لَا يَأْتِيهِمْ إِلَّا بِالْحَقِّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَقَالُوا: وَمَعْنَى بِالْحَقِّ:
بِحَقِيقَةِ نَعْتِ الْبَقَرَةِ، وَمَا بَقِيَ فِيهَا إِشْكَالٌ.
فَذَبَحُوها: قَبْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: فَطَلَبُوهَا وَحَصَّلُوهَا، أَيْ هَذِهِ الْبَقَرَةَ الْجَامِعَةَ لِلْأَوْصَافِ السَّابِقَةِ، وَتَحْصِيلُهَا كَانَ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ بِأَنَّهَا كَانَتْ وَحْشِيَّةً فَأَخَذُوهَا، أَوْ بِاشْتِرَائِهَا مِنَ الشَّابِّ الْبَارِّ بِأَبَوَيْهِ. وَهَذَا الَّذِي تَظَافَرَتْ عَلَيْهِ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَقَصَصًا كَثِيرًا مُضْطَرِبًا أَضْرَبْنَا عَنْ نَقْلِهِ صَفْحًا كَعَادَتِنَا فِي أَكْثَرِ الْقِصَصِ الَّذِي يَنْقُلُونَهُ، إِذْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا صَحَّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَنْ رَسُولِهِ فِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ.
وَما كادُوا يَفْعَلُونَ: كَنَّى عَنِ الذَّبْحِ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ يُكَنَّى بِهِ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ.
وَكَادَ فِي الثُّبُوتِ تَدُلُّ عَلَى الْمُقَارَبَةِ. فَإِذَا قُلْتَ: كَادَ زَيْدٌ يَقُومُ، فَمَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْقِيَامِ، وَلَمْ يَتَلَبَّسْ بِهِ. فَإِذَا قُلْتَ: مَا كَادَ زَيْدٌ يَقُومُ، فَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْمُقَارَبَةِ، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنَ الْأَفْعَالِ وُجُوبًا وَنَفْيًا. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّهَا إِذَا أُثْبِتَتْ، دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ الْخَبَرِ، وَإِذَا نُفِيَتْ، دَلَّتْ عَلَى إِثْبَاتِ الْخَبَرِ، مُسْتَدِلًّا بِهَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَذَبَحُوها يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الْآيَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ زَمَانُ نَفْيِ الْمُقَارَبَةِ وَالذَّبْحِ، إِذِ الْمَعْنَى: وَمَا قَارَبُوا ذَبْحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، أَيْ وَقَعَ الذَّبْحُ بَعْدَ أَنْ نَفَى مُقَارَبَتُهُ. فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ تَعَسَّرُوا فِي ذَبْحِهَا، ثُمَّ ذَبَحُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ. قِيلَ: وَالسَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ مَا كَادُوا يَذْبَحُونَ هُوَ: إِمَّا غَلَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute