عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْسَبَ الرَّائِي ذَلِكَ لِشِدَّةِ الْحِفْظِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ وَقِلَّةِ التَّغْيِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النُّوَّامِ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اسْتِرْخَاءٌ وَهَيْئَاتٌ تَقْتَضِي النَّوْمَ، فَيَحْسَبُهُ الرَّائِي يَقْظَانَ وَإِنْ كَانَ مَسْدُودَ الْعَيْنَيْنِ، وَلَوْ صَحَّ فَتْحُ أَعْيُنِهِمْ بِسَنَدٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ كَانَ أَبْيَنَ فِي أَنْ يَحْسِبَ عَلَيْهِمُ التَّيَقُّظَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً إِخْبَارٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ عَلَى تَقْدِيرٍ.
وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ رَأَيْتَهُمْ لَحَسِبْتَهُمْ أَيْقاظاً.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَنُقَلِّبُهُمْ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ. وَقِيلَ: إِنَّمَا وَقَعَ الْحُسْبَانُ مِنْ جِهَةِ تَقَلُّبِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الْيَمِينِ إِلَى الشِّمَالِ وَمِنَ الشِّمَالِ إِلَى الْيَمِينِ وَفِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَنُقَلِّبُهُمْ بِالنُّونِ مَزِيدُ اعْتِنَاءِ اللَّهِ بِهِمْ حَيْثُ أَسْنَدَ التَّقْلِيبَ إِلَيْهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ ذَلِكَ. وحكى الزمخشري أنه قرىء وَيُقَلِّبُهُمْ بِالْيَاءِ مُشَدَّدًا أَيْ يُقَلِّبُهُمُ اللَّهُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ فِيمَا حَكَى الْأَهْوَازِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيَقْلِبُهُمْ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ سَاكِنَةِ الْقَافِ مُخَفَّفَةِ اللَّامِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ فِيمَا حَكَى ابْنُ جِنِّي: وَتَقَلُّبَهُمْ مَصْدَرُ تَقَلَّبَ مَنْصُوبًا، وَقَالَ: هَذَا نُصِبَ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قَالَ: وَتَرَى أَوْ تُشَاهِدُ تَقَلُّبَهُمْ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ ضَمَّ الْيَاءَ فَهُوَ مَصْدَرٌ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنِ الْيَمَانِيِّ. وَذَكَرَ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَرَأَ وَتَقْلِبُهُمْ بِالتَّاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقُ مُضَارِعُ قَلَبَ مُخَفَّفًا. قِيلَ: وَالْفَائِدَةُ فِي تَقْلِيبِهِمْ فِي الْجِهَتَيْنِ لِئَلَّا تُبْلِيَ الْأَرْضُ ثِيَابَهُمْ وَتَأْكُلَ لُحُومَهُمْ، فَيَعْتَقِدُوا أَنَّهُمْ مَاتُوا وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ، فَإِنَّ اللَّهَ الَّذِي قَدَرَ عَلَى أَنْ يُبْقِيَهُمْ أَحْيَاءً تِلْكَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِ أَجْسَامِهِمْ وَثِيَابِهِمْ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْ مَسَّتْهُمُ الشَّمْسُ لَأَحْرَقَتْهُمْ، وَلَوْلَا التَّقْلِيبُ لأكلتهم الأرض انتهى. وذاتَ بِمَعْنَى صَاحِبَةٍ أَيْ جِهَةً ذاتَ الْيَمِينِ. وَنَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ الْخِلَافَ فِي أَوْقَاتِ تَقْلِيبِهِمْ وَفِي عَدَدِ التَّقْلِيبَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ عِيَاضٍ بِأَقْوَالٍ مُتَعَارِضَةٍ مُتَنَاقِضَةٍ ضَرَبْنَا عَنْ نَقْلِهَا صَفْحًا وَكَذَلِكَ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِاسْمِ كَلْبِهِمْ وَلَا لِكَوْنِهِ كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّ مِثْلَ الْعَدَدِ وَالْوَصْفِ وَالتَّسْمِيَةِ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ، وَالسَّمْعُ لَا يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَّا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَيَسْتَحِيلُ وُرُودُ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنْهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَكَلْبُهُمْ أُرِيدَ بِهِ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ أَسَدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ رَجُلٌ طَبَّاخٌ لَهُمْ تَبِعَهُمْ، أَوْ أَحَدُهُمْ قَعَدَ عِنْدَ الْبَابِ طَلِيعَةً لَهُمْ. وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ غُلَامُ ثعلب أنه قرىء وَكَالِئُهُمُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ كَلَأَ إِذَا حَفِظَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ الْكَلْبُ لِحِفْظِهِ لِلْإِنْسَانِ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَالِئِ الرَّجُلُ عَلَى مَا رُوِيَ إِذْ بَسْطُ الذِّرَاعَيْنِ وَاللُّصُوقُ بِالْأَرْضِ مَعَ رَفْعِ الْوَجْهِ للتطلع هي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute