للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هيئة الريئة الْمُسْتَخْفِي بِنَفْسِهِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ الصَّادِقُ: وَكَالِبُهُمْ بِالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ أَيْ صَاحِبُ كَلْبِهِمْ، كَمَا تَقُولُ لَابِنٌ وَتَامِرٌ أَيْ صَاحِبُ لَبَنٍ وَتَمْرٍ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: باسِطٌ ذِراعَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَعْمَلُ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمُضِيِّ، وَإِضَافَتُهُ إِذَا أُضِيفَ حَقِيقَةً مُعَرَّفَةً كَغُلَامِ زَيْدٍ إِلَّا إِذَا نَوَيْتَ حِكَايَةَ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَعْمَلُ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمُضِيِّ لَيْسَ إِجْمَاعًا، بَلْ ذَهَبَ الْكِسَائِيُّ وَهِشَامٌ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ مُضَاءٍ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ، وَحُجَجُ الْفَرِيقَيْنِ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.

وَالْوَصِيدُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْبَابُ. وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ: الْفِنَاءُ. وَعَنْ قَتَادَةَ: الصَّعِيدُ وَالتُّرَابُ. وَقِيلَ: الْعَتَبَةُ. وَعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا التُّرَابُ. وَالْخِطَابُ فِي لَوِ اطَّلَعْتَ لمن هوله فِي قَوْلِهِ وَتَرَى الشَّمْسَ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ: لَوِ اطَّلَعْتَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَصْلًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِكَسْرِهَا، وَقَدْ ذُكِرَ ضَمُّهَا عَنْ شَيْبَةَ وَأَبِي جعفر ونافع وتملية الرُّعْبِ لِمَا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْهَيْبَةِ وَالْجَلَالِ، فَمَنْ رَامَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِمْ أَدْرَكَتْهُ تِلْكَ الْهَيْبَةُ.

وَمَعْنَى لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ أَعْرَضْتَ بِوَجْهِكَ عَنْهُمْ. وَأَوْلَيْتَهُمْ كَشْحَكَ، وَانْتَصَبَ فِراراً عَلَى الْمَصْدَرِ إِمَّا لَفَرَرْتَ مَحْذُوفَةً، وَإِمَّا لَوَلَّيْتَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى لَفَرَرْتَ، وَإِمَّا مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ. وَانْتَصَبَ رُعْباً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنَ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً «١» عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَجَازَ نَقْلَ التَّمْيِيزِ مِنَ الْمَفْعُولِ، لِأَنَّكَ لَوْ سَلَّطْتَ عَلَيْهِ الْفِعْلَ مَا تَعَدَّى إِلَيْهِ تَعَدِّي الْمَفْعُولِ بِهِ بِخِلَافِ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً وَقِيلَ: سَبَبُ الرُّعْبِ طُولُ شُعُورِهِمْ وَأَظْفَارِهِمْ وَصُفْرَةُ وُجُوهِهِمْ وَتَغْيِيرُ أَطْمَارِهِمْ. وَقِيلَ: لِإِظْلَامِ الْمَكَانِ وَإِيحَاشِهِ، وَلَيْسَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ أَنْكَرُوا أَحْوَالَهُمْ وَلَمْ يَقُولُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ «٢» وَلِأَنَّ الَّذِي بُعِثَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يُنْكِرْ إِلَّا الْعَالَمَ وَالْبِنَاءَ لَا حَالَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُمْ بِحَالَةٍ حَسَنَةٍ بِحَيْثُ لَا يُفَرِّقُ الرَّائِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَيْقَاظِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ تَتَخَرَّقُهُ الرِّيَاحُ وَالْمَكَانُ الَّذِي بِهَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ مُوحِشًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَرَمِيَّانِ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ.

وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَإِبْدَالِ الْيَاءِ مِنَ


(١) سورة القمر: ٥٤/ ١٢.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>