للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أَهْلَ مَدِينَتِهِمْ، وَالْكَافُ فِي وَكَذلِكَ لِلتَّشْبِيهِ وَالتَّقْدِيرُ وَكَمَا أَنَمْنَاهُمْ بَعَثْنَاهُمْ لِمَا فِي ذلك الْحِكْمَةِ أَطْلَعَنَا عَلَيْهِمْ، وَالضَّمِيرُ فِي لِيَعْلَمُوا عَائِدٌ عَلَى مَفْعُولِ أَعْثَرْنا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطبري.

ووَعْدَ اللَّهِ هُوَ الْبَعْثُ لِأَنَّ حَالَتَهُمْ فِي نَوْمِهِمْ وَانْتِبَاهَتِهِمْ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُتَطَاوِلَةِ كَحَالِ مَنْ يَمُوتُ ثُمَّ يُبْعَثُ ولا رَيْبَ فِيهَا أَيْ لَا شَكَّ وَلَا ارْتِيَابَ فِي قِيَامِهَا وَالْمُجَازَاةِ فِيهَا، وَكَانَ الَّذِينَ أُعْثِرُوا عَلَى أَهْلِ الْكَهْفِ قَدْ دَخَلَتْهُمْ فِتْنَةٌ فِي أَمْرِ الْحَشْرِ وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ مِنَ الْقُبُورِ، فَشَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ وَاسْتَبْعَدُوهُ. وَقَالُوا: تُحْشَرُ الْأَرْوَاحُ فَشَقَّ عَلَى مَلِكِهِمْ وَبَقِيَ حَيْرَانُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يُبَيِّنُ أَمْرَهُ لَهُمْ حَتَّى لَبِسَ الْمُسُوحَ وَقَعَدَ عَلَى الرَّمَادِ، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ فِي حُجَّةٍ وَبَيَانٍ، فَأَعْثَرَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكَهْفِ، فَلَمَّا بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبَيَّنَ النَّاسُ أَمْرَهُمْ سُرَّ الْمَلِكُ وَرَجَعَ مَنْ كَانَ شَكَّ فِي أَمْرِ بَعْثِ الْأَجْسَادِ إِلَى الْيَقِينِ، وَإِلَى هَذَا وَقَعْتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ وإِذْ مَعْمُولَةٌ لَأَعْثَرْنَا أَوْ لِيَعْلَمُوا. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ في ولِيَعْلَمُوا عَلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ، أَيْ جَعَلَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ آيَةً لَهُمْ دَالَّةً عَلَى بَعْثِ الْأَجْسَادِ مِنَ الْقُبُورِ. وَقَوْلُهُ إِذْ يَتَنازَعُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابْتِدَاءُ خَبَرٍ عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بُعِثُوا عَلَى عَهْدِهِمْ، وَالتَّنَازُعُ إِذْ ذَاكَ فِي أَمْرِ الْبِنَاءِ وَالْمَسْجِدِ لَا فِي أَمْرِ الْقِيَامَةِ.

وَقِيلَ: التَّنَازُعُ إِنَّمَا هُوَ فِي أَنِ اطَّلَعُوا عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَعْضٌ: هُمْ أَمْوَاتٌ. وَقَالَ بَعْضٌ:

هُمْ أَحْيَاءٌ. وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلِكَ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ انْطَلَقُوا مَعَ تَمْلِيخَا إِلَى الْكَهْفِ وَأَبْصَرُوهُمْ ثُمَّ قَالَتِ الْفِتْيَةُ لِلْمَلِكِ: نَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ وَنُعِيذُكَ بِهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَتَوَفَّى اللَّهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَلْقَى الْمَلِكُ عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُ، وَأَمَرَ فَجُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَابُوتٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَآهُمْ فِي الْمَنَامِ كَارِهِينَ لِلذَّهَبِ فَجَعَلَهَا مِنَ السَّاجِ، وَبُنِيَ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ كَلَامِ الْمُتَنَازِعِينَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَوْلِ أَيْ أَمَرُوا بِالْبِنَاءِ وَأَخْبَرُوا بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَأَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا أَمْرَهُمْ وَتَنَاقَلُوا الْكَلَامَ فِي أَنْسَابِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، وَمُدَّةِ لُبْثِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ قَالُوا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى رَدُّ الْقَوْلِ الْخَائِضِينَ فِي حَدِيثِهِمْ مِنْ أُولَئِكَ الْمُتَنَازِعِينَ أَوْ مِنَ الَّذِينَ تَنَازَعُوا فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالَّذِينَ غُلِبُوا. قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْوُلَاةُ.

رُوِيَ أَنَّ طَائِفَةً ذَهَبَتْ إِلَى أَنْ يَطْمِسَ الْكَهْفَ عَلَيْهِمْ وَيُتْرَكُوا فِيهِ مُغَيَّبِينَ، وَقَالَتِ الطَّائِفَةُ الْغَالِبَةُ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً فَاتَّخَذُوهُ.

وَرُوِيَ أَنَّ الَّتِي دَعَتْ إِلَى الْبُنْيَانِ كَانَتْ كَافِرَةً أَرَادَتْ بِنَاءَ بِيعَةٍ أَوْ مَصْنَعٍ لِكُفْرِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>