فَمَانَعَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَبَنَوْا عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ: غُلِبُوا بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي أَرَادَتِ الْمَسْجِدَ كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ لَا يُبْنَى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَلَا يَعْرِضُ لِمَوْضِعِهِمْ. وَرُوِيَ أَنَّ طَائِفَةً أُخْرَى مُؤْمِنَةً أَرَادَتْ أَنْ لَا يُطْمَسَ الْكَهْفُ، فَلَمَّا غُلِبَتِ الْأُولَى عَلَى أَنْ يَكُونَ بُنْيَانٌ وَلَا بُدَّ قَالَتْ يَكُونُ مَسْجِداً فَكَانَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّى عَلَى النَّاسِ أَمْرَهُمْ وَحَجَبَهُمْ عَنْهُ فَذَلِكَ دُعَاءٌ إِلَى بِنَاءِ الْبُنْيَانِ لِيَكُونَ مَعْلَمًا لَهُمْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي سَيَقُولُونَ عَائِدٌ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَهُمُ الْمُتَنَازِعُونَ فِي حَدِيثِهِمْ قَبْلَ ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِمْ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِمَا كَانَ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْمِهِمْ فِي عَدَدِهِمْ وَكَوْنُ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مَا قُلْنَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ تَنَاظَرُوا مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَدِهِمْ. فَقَالَتِ الْمَلْكَانِيَّةُ: الْجُمْلَةَ الْأُولَى، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ، وَالنَّسْطُورِيَّةُ الْجُمْلَةَ الثَّالِثَةَ، وَهَذَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّ السَّيِّدَ قَالَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَكَانَ يَعْقُوبِيًّا، وَالْعَاقِبُ قَالَ الثَّانِيَةَ وَكَانَ نَسْطُورِيًّا، وَالْمُسْلِمُونَ قَالُوا الثَّالِثَةَ وَأَصَابُوا وَعَرَفُوا ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَتَكُونُ الضَّمَائِرُ فِي سَيَقُولُونَ وَيَقُولُونَ عَائِدًا بَعْضُهَا عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ، وَبَعْضُهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَعَنْ عَلِيٍّ هُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ أَسْمَاؤُهُمْ تَمْلِيخَا، وَمَكْشَلْبِينَا وَمَشَلْبِينَا هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ يَمِينِ الْمَلِكِ، وَكَانَ عَنْ يَسَارِهِ مَرْنُوشُ، وَدَبَرْنُوشُ، وَشَاذَنُوشُ وَكَانَ يستشير هَؤُلَاءِ السِّتَّةَ فِي أَمْرِهِ، وَالسَّابِعُ الرَّاعِي الَّذِي وَافَقَهُمْ، هَرَبُوا مِنْ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسُ وَاسْمُ مَدِينَتِهِمْ أَفْسُوسُ وَاسْمُ كَلْبِهِمْ قِطْمِيرُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ سَيَقُولُونَ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنْ مُعَاصِرِي محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ أَهْلِ الْكَهْفِ هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمَنْصُوصُ انْتَهَى.
قِيلَ: وَجَاءَ بِسِينِ الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ فِي الْكَلَامِ طَيٌّ وَإِدْمَاجٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا أَجَبْتَهُمْ عَنْ سُؤَالِهِمْ وَقَصَصْتَ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ أَهْلِ الْكَهْفِ فَسَلْهُمْ عَنْ عَدَدِهِمْ فَإِنَّهُمْ إِذَا سَأَلْتَهُمْ سَيَقُولُونَ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ ثَلَاثَّ بِإِدْغَامِ الثَّاءِ فِي التَّاءِ، وَحَسُنَ ذَلِكَ لِقُرْبِ مَخْرِجِهِمَا وَكَوْنِهِمَا مَهْمُوسَيْنِ، لِأَنَّ السَّاكِنَ الَّذِي قَبْلَ الثَّاءِ مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ فَحَسُنَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ لَمْ يَأْتِ بِالسِّينِ فِيهِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَدَخَلَ فِي الِاسْتِقْبَالِ، أَوْ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ الَّذِي هُوَ صَالِحٌ لَهُ. وَقَرَأَ شِبْلُ بْنُ عَبَّادٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِفَتْحِ مِيمٍ خَمْسَةٌ وَهِيَ لُغَةٌ كَعَشَرَةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمِيمِ وَبِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي السِّينِ، وَعَنْهُ أَيْضًا إِدْغَامُ التَّنْوِينِ فِي السِّينِ بِغَيْرِ غُنَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute