للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَيَرِدُ، وَأَفْرَدَ الْجَنَّةَ فِي قَوْلِهِ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ أَفْرَدَ الْجَنَّةَ بَعْدَ التَّثْنِيَةِ؟ قُلْتُ: مَعْنَاهُ وَدَخَلَ مَا هُوَ جَنَّتُهُ مَا لَهُ جَنَّةٌ غَيْرُهَا، يَعْنِي أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فَمَا مَلَكَهُ فِي الدُّنْيَا هُوَ جَنَّتُهُ لَا غَيْرُ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْجَنَّتَيْنِ وَلَا وَاحِدَةً مِنْهُمَا انْتَهَى.

وَلَا يُتَصَوَّرُ مَا قَالَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدُخُولِ ذَلِكَ الْكَافِرِ جَنَّتَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ قَصَدَ فِي الْإِخْبَارِ أَنَّهُ دَخَلَ إِحْدَى جَنَّتَيْهِ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَهُمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالْمَعْنَى وَدَخَلَ جَنَّتَهُ يُرِي صَاحِبَهُ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنِ الْبَهْجَةِ وَالنَّضَارَةِ وَالْحُسْنِ.

وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَهُوَ كَافِرٌ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ مُغْتَرٌّ بِمَا مَلَكَهُ شَاكٌّ فِي نَفَادِ مَا خَوَّلَهُ. وَفِي الْبَعْثِ الَّذِي حَاوَرَهُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ هذِهِ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي دَخَلَهَا، وَعَنَى بِالْأَبَدِ أَبَدَ حَيَاتِهِ وَذَلِكَ لِطُولِ أَمَلِهِ وَتَمَادِي غَفْلَتِهِ، وَلِحُسْنِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا بِمَا أُوتِيَ مِنَ الْمَالِ وَالْخَدَمِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ عَلَى حَالِهَا مِنَ الْحُسْنِ وَالنَّضَارَةِ، وَالْحِسُّ يَقْتَضِي أَنَّ أَحْوَالَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا غَيْرُ بَاقِيَةٍ أَوْ يَكُونُ قَائِلًا بِقَدَمِ الْعَالَمِ، وَأَنَّ مَا حَوَتْهُ هَذِهِ الْجَنَّةُ إن فَنِيَتْ أَشْخَاصُ أَثْمَارِهَا فَتَخْلُفُهَا أَشْخَاصٌ أُخَرُ، وَكَذَا دَائِمًا. وَيَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِهَذِهِ إلى الهيئة من السموات وَالْأَرْضِ وَأَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُحَاوَرَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا هِيَ فِي فَنَاءِ هَذَا الْعَالَمِ الَّذِي هَذِهِ الْجَنَّةُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَفِي الْبَعْثِ الْأُخْرَوِيِّ أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ تَقَرَّرَ لَهُ هَذَانِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ يَشُكُّ فِيهِمَا.

ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ رُدَّ إِلَى رَبِّهِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ وَقِيَاسِ الْأُخْرَى عَلَى الدُّنْيَا وَكَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُهُ لَيَجِدَنَّ فِي الْآخِرَةِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِهِ فِي الدُّنْيَا تَطَمُّعًا، وَتَمَنِّيًا عَلَى اللَّهِ، وَادِّعَاءً لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ وَمَكَانَتِهِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ مَا أَوْلَاهُ الْجَنَّتَيْنِ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَأَنَّ مَعَهُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ أَيْنَ تَوَجَّهَ كَقَوْلِهِ إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى «١» .

وَأَمَّا مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا قَالَهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا فَلَيْسَ عَلَى حَدِّ مَقَالَةِ هَذَا لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَاصِيَ قَصَدَ الِاسْتِخْفَافَ وَهُوَ مُصَمِّمٌ عَلَى التَّكْذِيبِ، وَهَذَا قَالَ مَا مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ ثَمَّ رُجُوعٌ فَسَيَكُونُ حَالِي كَذَا وَكَذَا. وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ مُنَاذِرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ وَعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْجَنَّتَيْنِ، وَكَذَا فِي مَصَاحِفِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ


(١) سورة فصلت: ٤١/ ٥٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>