وَأَبُو عَمْرٍو مِنْها عَلَى التَّوْحِيدِ وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْجَنَّةِ الْمَدْخُولَةِ وَكَذَا فِي مَصَاحِفِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَمَعْنَى مُنْقَلَباً مَرْجِعًا وَعَاقِبَةً أَيْ مُنْقَلَبُ الْآخِرَةِ لِبَقَائِهَا خَيْرٌ مِنْ مُنْقَلَبِ الدُّنْيَا لِزَوَالِهَا، وَانْتَصَبَ مُنْقَلَباً عَلَى التَّمْيِيزِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْمُبْتَدَأِ.
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً.
وَهُوَ يُحاوِرُهُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ وَهُوَ صَاحِبُهُ الْمُؤْمِنُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَهُوَ يُخَاصِمُهُ وَهِيَ قِرَاءَةُ تَفْسِيرٍ لَا قِرَاءَةُ رِوَايَةٍ لِمُخَالَفَتِهِ سَوَادَ الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّ الَّذِي رُوِيَ بِالتَّوَاتُرِ هُوَ يُحاوِرُهُ لا يخاصمه. وأَ كَفَرْتَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ حَيْثُ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ. وَقَرَأَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: وَيْلَكَ أَكَفَرْتَ وَهُوَ تَفْسِيرُ مَعْنَى التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ لَا قِرَاءَةٌ ثَابِتَةٌ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَبَّهَهُ عَلَى أَصْلِ نَشْأَتِهِ وَإِيجَادِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ وَأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَعْثِ مِنَ الْقُبُورِ، ثُمَّ تَحَتَّمَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الصَّادِقِينَ وَهُمُ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَقَوْلُهُ خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ خَلْقُ أَصْلِكَ مِنْ تُرابٍ وَهُوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخَلْقُ أَصْلِهِ سَبَبٌ فِي خَلْقِهِ فَكَانَ خَلْقُهُ خَلْقًا لَهُ، أَوْ أُرِيدَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ يَتَوَلَّدُ مِنْ أَغْذِيَةٍ رَاجِعَةٍ إِلَى التُّرَابِ، فَنَبَّهَهُ أَوَّلًا عَلَى مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مَاءُ أَبِيهِ ثُمَّ ثَانِيهِ عَلَى النُّطْفَةِ الَّتِي هِيَ مَاءُ أَبِيهِ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ مِنْ أَنَّ مَلَكًا وُكِّلَ بِالنُّطْفَةِ يُلْقِي فِيهَا قَلِيلًا مِنْ تُرَابٍ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الرَّحِمِ فَيَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ نَقْلٍ.
ثُمَّ نَبَّهَهُ عَلَى تَسْوِيَتِهِ رَجُلًا وَهُوَ خَلْقُهُ مُعْتَدِلًا صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ، وَيُقَالُ لِلْغُلَامِ إِذَا تَمَّ شَبَابُهُ قَدِ اسْتَوَى. وَقِيلَ: ذَكَّرَهُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ رَجُلًا وَلَمْ يَخْلُقْهُ أُنْثَى، نَبَّهَهُ بِهَذِهِ التَّنَقُّلَاتِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَوَّاكَ عَدَّلَكَ وَكَمَّلَكَ إِنْسَانًا ذَكَرًا بَالِغًا مَبْلَغَ الرِّجَالِ، جَعَلَهُ كَافِرًا بِاللَّهِ جَاحِدًا لِأَنْعُمِهِ لِشَكِّهِ فِي الْبَعْثِ كَمَا يَكُونُ الْمُكَذِّبُ بِالرَّسُولِ كَافِرًا انْتَهَى. وَانْتَصَبَ رَجُلًا عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ رَجُلًا نُصِبَ بِسَوَّى أَيْ جَعَلَكَ رَجُلًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَدَّى سَوَّى إِلَى اثْنَيْنِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الِاسْتِفْهَامُ اسْتِفْهَامَ اسْتِعْلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْرِيرٌ عَلَى كُفْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute