للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُحُدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَحْوٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ التَّقْدِيرُ وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا مَا سَبَقَ فِي عِلْمِنَا وَقَضَائِنَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ مِنَ الْمَسْخِ وَالصَّيْحَةِ وَالْخَسْفِ وَالْغَرَقِ وَعَذَابِ الظُّلَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِينَ مَنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغُنْيَانِ: إِلَّا إِرَادَةُ أَوِ انْتِظَارُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّتُنَا فِي الْأَوَّلِينَ، وَمَنْ قَدَّرَ الْمُضَافَ هَذَا أَوِ الطَّلَبَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ كَمَا قَالَ حِكَايَةً عَنْ بَعْضِهِمْ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «١» . وَقِيلَ: مَا هُنَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ لَا نَافِيَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَأَيُّ شَيْءٍ مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا والْهُدى الرَّسُولُ أَوِ الْقُرْآنُ قَوْلَانِ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَخَلَفٌ وَأَيُّوبُ وَابْنُ سَعْدَانَ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قُبُلًا لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حَكَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمُقَابَلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعَ قَبِيلٍ أَيْ يَجِيئُهُمُ الْعَذَابُ أَنْوَاعًا وَأَلْوَانًا. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَمُجَاهِدٌ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ قُبُلًا بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَمَعْنَاهُ عِيَانًا. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ وَالْحَسَنُ أَيْضًا بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَهُوَ تَخْفِيفُ قُبُلٍ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ. وَذَكَرَ ابن قتيبة أنه قرىء بِفَتْحَتَيْنِ وَحَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَقَالَ مُسْتَقْبَلًا. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ غَزْوَانَ عَنْ طَلْحَة قَبِيلًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَبَاءٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ.

وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ أَيْ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ لِمَنْ آمَنَ وَمُنْذِرِينَ أَيْ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ لِمَنْ كَفَرَ لَا ليجادلوا ولا ليتمنى عَلَيْهِمُ الِاقْتِرَاحَاتُ لِيُدْحِضُوا لِيُزِيلُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي يَجْمَعُ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَعَلَامَاتِ الرَّسُولِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَما أُنْذِرُوا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَاحْتَمَلَتْ مَا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ وَما أُنْذَرُوهُ وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ وَإِنْذَارُهُمْ فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى عَائِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ هُزُواً أَيْ سُخْرِيَةً وَاسْتِخْفَافًا لِقَوْلِهِمْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. لَوْ شِئْنَا لقلنا مثل هذا وجدا لهم للرسل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولهم وما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا «٢» وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْآيَاتُ الْمُضَافُ إِلَى الرَّبِّ هُوَ الْقُرْآنُ وَلِذَلِكَ عَادَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا فِي قَوْلِهِ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَإِعْرَاضُهُ عَنْهَا كَوْنُهُ لَا يَتَذَكَّرُ حِينَ ذُكِّرَ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ وَنَسِيَ عَاقِبَةَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي غَيْرَ مُفَكِّرٍ فِيهَا وَلَا نَاظِرٍ فِي أَنَّ الْمُحْسِنَ وَالْمُسِيءَ يجزيان بما عملا.


(١) سورة الأنفال: ٨/ ٣٢.
(٢) سورة يس: ٣٦/ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>