للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْقَى ذِكْرُهُ مُخَلَّدًا عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَفِيًا، وَالْمَلِكُ الَّذِي اسْمُهُ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ أَنَّهُ بَلَغَ مُلْكُهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَيْسَ إِلَّا الْإِسْكَنْدَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ جَمَعَ مُلْكَ الرُّومِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعَ طَوَائِفَ ثُمَّ قَصَدَ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَقَهَرَهُمْ وَأَمْعَنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ وَبَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَسَمَّاهَا بِاسْمِ نَفْسِهِ، ثُمَّ دَخَلَ الشَّامَ وَقَصَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوَرَدَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَذَبَّحَ فِي مَذْبَحِهِ ثُمَّ عَطَفَ إِلَى أَرْمِينِيَّةَ وَدَانَ لَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقِبْطُ وَالْبَرْبَرُ، ثُمَّ نَحْوِ دَارِ ابْنِ دَارَا وَهَزَمَهُ مَرَّاتٍ إِلَى أَنْ قَتَلَهُ صَاحِبُ حَرْبِهِ، وَاسْتَوْلَى الْإِسْكَنْدَرُ عَلَى مَمَالِكِ الْفُرْسِ وَقَصَدَ الْهِنْدَ وَالصِّينَ وَغَزَا الْأُمَمَ الْبَعِيدَةَ وَرَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ وَبَنَى الْمُدُنَ الْكَثِيرَةَ وَرَجَعَ إِلَى الْعِرَاقِ وَمَرِضَ بشهر زور وَمَاتَ بِهَا.

وَوَرَدَ

فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الَّذِينَ مَلَكُوا الْأَرْضَ أَرْبَعَةٌ مُؤْمِنَانِ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ» .

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَثَبَتَ فِي عِلْمِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ مَا كَانَ إِلَّا الْإِسْكَنْدَرَ فَوَجَبَ الْقَطْعُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فَيْلَفُوسَ الْيُونَانِيُّ. وَقِيلَ تَمْكِينُهُ فِي الْأَرْضِ بِالنُّبُوَّةِ وَإِجْرَاءِ الْمُعْجِزَاتِ. وَقِيلَ: تَمْكِينُهُ بِأَنْ سَخَّرَ لَهُ السَّحَابَ وَحَمَلَهُ عَلَيْهَا وَبَسَطَ لَهُ النُّورَ فَكَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهِ سَوَاءً. وَقِيلَ: بِكَثْرَةِ أَعْوَانِهِ وَجُنُودِهِ وَالْهَيْبَةِ وَالْوَقَارِ وَقَذْفِ الرُّعْبِ فِي أَعْدَائِهِ وَتَسْهِيلِ السَّيْرِ عَلَيْهِ وَتَعْرِيفِهِ فِجَاجَ الْأَرْضِ وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى بَرِّهَا وَبَحْرِهَا.

وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْوُصُولِ إِلَى أَغْرَاضِهِ سَبَباً أَيْ طَرِيقًا مُوَصِّلًا إِلَيْهِ، وَالسَّبَبُ مَا يتوصل به إني الْمَقْصُودِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ قُدْرَةٍ أَوْ آلَةٍ، فَأَرَادَ بُلُوغَ الْمَغْرِبِ فَأَتْبَعَ سَبَباً يُوَصِّلُهُ إِلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ، وَكَذَلِكَ أَرَادَ الْمَشْرِقَ فَأَتْبَعَ سَبَباً وَأَرَادَ بُلُوغَ السَّدَّيْنِ فَأَتْبَعَ سَبَباً وَأَصْلُ السَّبَبِ الْحَبْلُ، ثُمَّ تُوُسِّعَ فِيهِ حَتَّى صَارَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَلَاغًا إِلَى حَيْثُ أَرَادَ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْكُوفِيُّونَ وَابْنُ عَامِرٍ فَأَتْبَعَ ثَلَاثَتُهَا بِالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّشْدِيدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَعَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ وَأَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُجِدِّ الْمُسْرِعِ الْحَثِيثِ الطَّلَبِ، وَبِوَصْلِهَا إِنَّمَا يَتَضَمَّنُ الِاقْتِفَاءَ دُونَ هَذِهِ الصِّفَاتِ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَطَلْحَةُ بن عبيد الله وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِي وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ حَامِيَةٍ بِالْيَاءِ أَيْ حَارَّةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَيَعْقُوبُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ حَمِئَةٍ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَالزُّهْرِيُّ يُلَيِّنُهَا، يُقَالُ حَمِئَتِ الْبِئْرُ تَحْمَأُ حَمَأً فَهِيَ حَمِئَةٌ، وَحَمَأْتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>