لِقَوْلِهِ كهيعص وَهُوَ مُبْتَدَأٌ ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ. قِيلَ: وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ فِي الْمَعْنَى وَلَيْسَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ، وَلَا فِي ذِكْرِ الرَّحْمَةِ مَعْنَاهَا. وَقِيلَ: ذِكْرُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فِيمَا يُتْلَى ذِكْرُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ كَافْ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ضَمُّهَا، وَأَمَالَ نَافِعٌ هَاءً وَيَاءً بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَأَظْهَرَ دَالَ صَادٍ عِنْدَ ذَاكَ. ذِكْرُ وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَعَنْهُ أَيْضًا ضَمُّ الْيَاءِ وَكَسْرُ الْهَاءِ، وَعَنْ عَاصِمٍ ضَمُّ الْيَاءِ وَعَنْهُ كَسْرُهُمَا وَعَنْ حَمْزَةَ فَتْحُ الْهَاءِ وَكَسْرُ الْيَاءِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: مَعْنَى الضَّمِّ فِي الْهَاءِ وَالْيَاءِ إِشْبَاعُ التَّفْخِيمِ وَلَيْسَ بِالضَّمِّ الْخَالِصِ الَّذِي يُوجِبُ الْقَلْبَ. وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِي الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ اللَّوَامِحِ فِي شَوَاذِّ الْقِرَاءَاتِ خَارِجَةُ عَنِ الْحَسَنِ: كَافْ بِضَمِّ الْكَافِ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْهُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهَارُونُ بْنُ مُوسَى الْعَتَكِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ بِالضَّمِّ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مُتَرْجَمٌ عَلَيْهَا بِالضَّمِّ وَلَسْنَ مَضْمُومَاتِ الْمَحَالِّ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ كَذَلِكَ لَوَجَبَ قَلْبُ مَا بَعْدَهُنَّ مِنَ الْأَلِفَاتِ وَاوَاتٍ بَلْ نُحِّيَتْ هَذِهِ الْأَلِفَاتُ نَحْوَ الْوَاوِ عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى أَلِفَ التَّفْخِيمِ بِضِدِّ الْأَلِفِ الْمُمَالَةِ فَأَشْبَهَتِ الْفَتَحَاتِ الَّتِي تَوَلَّدَتْ مِنْهُنَّ الضَّمَّاتُ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ كَمَا تَرْجَمُوا عَنِ الْفَتْحَةِ الْمُمَالَةِ الْمُقَرَّبَةِ مِنَ الْكَسْرَةِ بِكَسْرَةٍ لِتَقْرِيبِ الْأَلِفِ بَعْدَهَا مِنَ الْيَاءِ انْتَهَى.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِتَقْطِيعِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَتَخْلِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا ائْتَلَفَ مِنَ الْحُرُوفِ، فَيَصِيرُ أَجْزَاءَ الْكَلِمِ فَاقْتَضَيْنَ إِسْكَانَ آخِرِهِنَّ، وَأَظْهَرَ الْأَكْثَرُونَ دَالَ صَادٍ عِنْدَ ذَالِ ذِكْرُ وَأَدْغَمَهَا أَبُو عَمْرٍو. وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَفِرْقَةٌ بِإِظْهَارِ النُّونِ مِنْ عَيْنٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى إِخْفَائِهَا.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ يَعْمُرَ ذِكْرُ فعلا ماضيا رَحْمَتِ بِالنَّصْبِ، وَحَكَاهُ أَبُو الْفَتْحِ وَذَكَرُهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أي هذا المتلو من القرآن ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ وَذَكَرَ الدَّانِيُّ عَنِ ابْنِ يَعْمُرَ ذِكْرُ فِعْلُ أمر من التذكير رَحْمَتِ بالنصب وعَبْدَهُ نُصِبَ بِالرَّحْمَةِ أَيْ ذِكْرُ أن رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ أَنَّ ذِكْرُ بِالتَّشْدِيدِ مَاضِيًا عَنِ الْحَسَنِ بِاخْتِلَافٍ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ يَعْمُرَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَتْلُوَّ أَيِ الْقُرْآنَ ذَكَّرَ بِرَحْمَةِ رَبِّكَ فَلَمَّا نُزِعَ الْبَاءُ انْتَصَبَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقُرْآنَ ذَكَّرَ النَّاسَ تَذْكِيرًا أَنْ رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَهُ فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ عَامِلًا فِي عَبْدَهُ زَكَرِيَّا لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ بِمَا نَسُوهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَتَجَدَّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute