للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ وَنُزُولِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ عَلَى الْمُضِيِّ مُسْنَدًا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

وَقَرَأَ الْكَلْبِيُّ ذِكْرُ عَلَى الْمُضِيِّ خَفِيفًا مِنَ الذِّكْرِ رَحْمَةِ رَبِّكَ بِنَصْبِ التَّاءِ عَبْدَهُ بِالرَّفْعِ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ يَحْيَى بْنُ يعمر وذِكْرُ عَلَى الْأَمْرِ عَنْهُ أَيْضًا انتهى.

وإِذْ ظَرْفٌ الْعَامِلُ فِيهِ قَالَ الْحَوْفَيُّ: ذِكْرُ وَقَالَ أَبُو البقاء: وإِذْ ظرف لرحمة أو لذكر انْتَهَى. وَوَصْفُ نِدَاءٍ بِالْخَفِيِّ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لِئَلَّا يُخَالِطَهُ رِيَاءٌ. مُقَاتِلٌ: لِئَلَّا يُعَابَ بِطَلَبِ الْوَلَدِ فِي الْكِبَرِ. قَتَادَةُ: لِأَنَّ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ عِنْدَهُ تَعَالَى سَوَاءٌ. وَقِيلَ: أَسَرَّهُ مِنْ مَوَالِيهِ الَّذِينَ خَافَهُمْ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمْرٌ دُنْيَاوِيٌّ فَأَخْفَاهُ لِأَنَّهُ إِنْ أُجِيبَ فَذَاكَ بُغْيَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَحَدٌ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ. وَقِيلَ: لِإِخْلَاصِهِ فِيهِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.

وَقِيلَ: لِضَعْفِ صَوْتِهِ بِسَبَبِ كِبَرِهِ، كَمَا قِيلَ: الشَّيْخُ صَوْتُهُ خُفَاتٌ وَسَمْعُهُ تَارَاتٌ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْإِخْفَاءَ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْجَهْرُ بِهِ يُعَدُّ مِنَ الِاعْتِدَاءِ. وَفِي التَّنْزِيلِ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «١» .

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا» .

قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي هَذِهِ كَيْفِيَّةُ دُعَائِهِ وَتَفْسِيرُ نِدَائِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:

وَهَنَ بِفَتْحِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ بكسرها. وقرىء بِضَمِّهَا لُغَاتٌ ثَلَاثٌ، وَمَعْنَاهُ ضَعْفٌ وَأُسْنِدَ الْوَهَنُ إِلَى الْعَظْمِ لِأَنَّهُ عَمُودُ الْبَدَنِ وَبِهِ قِوَامُهُ وَهُوَ أَصْلُ بِنَائِهِ، فَإِذَا وَهَنَ تَدَاعَى مَا وَرَاءَهُ وَتَسَاقَطَتْ قُوَّتُهُ، وَلِأَنَّهُ أَشَدُّ مَا فِيهِ وَأَصْلَبُهُ فَإِذَا وَهَنَ كَانَ مَا وَرَاءَهُ أَوْهَنَ وَوَحَّدَ الْعَظْمُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ، وَقَصَدَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ الْعَمُودُ وَالْقِوَامُ، وَأَشَدُّ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ الْجَسَدُ قَدْ أَصَابَهُ الْوَهَنُ وَلَوْ جُمِعَ لَكَانَ قَصْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَهِنْ مِنْهُ بَعْضُ عِظَامِهِ وَلَكِنْ كُلُّهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: اشْتَكَى سُقُوطَ الْأَضْرَاسِ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَكَانَ لَهُ سَبْعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: خَمْسٌ وَسَبْعُونَ. وَقِيلَ: خَمْسٌ وَثَمَانُونَ. وَقِيلَ: سِتُّونَ. وَقِيلَ: خَمْسٌ وَسِتُّونَ. وَشُبِّهَ الشَّيْبُ بِشُوَاظِ النَّارِ فِي بَيَاضِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي الشَّعْرِ وَفُشُوِّهِ فِيهِ وَأَخْذِهِ مِنْهُ كُلَّ مَأْخَذٍ بِاشْتِعَالِ النَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِعَارَةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ الِاشْتِعَالَ إِلَى مَكَانِ الشَّعْرِ وَمَنْبَتِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ، وَأَخْرَجَ الشَّيْبَ مُمَيَّزًا وَلَمْ يُضِفِ الرَّأْسَ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ رَأَسُ زَكَرِيَّاءَ فَمِنْ ثَمَّ فَصَحَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَشُهِدَ لَهَا بِالْبَلَاغَةِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَإِلَى هَذَا نَظَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ.

فَقَالَ:


(١) سورة الأعراف: ٧/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>