للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ الْمَلَوَانُ وَهُمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالْمُلَاوَةُ بِتَثْلِيثِ حَرَكَةِ الْمِيمِ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ مِنْ قَوْلِهِمْ:

أَمْلَيْتُ لِفُلَانٍ فِي الْأَمْرِ إِذَا أَطَلْتُ لَهُ. وقال الشاعر:

فعسنا بِهَا مِنَ الشَّبَابِ مُلَاوَةً ... فالحج آيَاتُ الرَّسُولِ الْمُحَبَّبِ

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: سِيرَ عَلَيْهِ مَلِيٌّ مِنَ الدَّهْرِ أَيْ زَمَانٌ طَوِيلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ:

مَلِيًّا معناه سالما سَوِيًّا فَهُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَاهْجُرْنِي. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَتَلْخِيصُ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ مُسْتَنِدًا بِحَالِكَ غَنِيًّا عَنِّي مَلِيًّا بِالِاكْتِفَاءِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ أَبَدًا.

وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهِلٍ:

فَتَصَدَّعَتْ صُمُّ الْجِبَالِ لِمَوْتِهِ ... وَبَكَتْ عَلَيْهِ الْمُرْمِلَاتُ مَلِيًّا

وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: دَهْرًا، وَأَصْلُ الْحَرْفِ الْمُكْثُ يُقَالُ: تَمَلَّيْتُ حِينًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ مَلِيًّا بِالذَّهَابِ عَنِّي وَالْهِجْرَانِ قَبْلَ أَنْ أُثْخِنَكَ بِالضَّرْبِ حَتَّى لَا تَقْدِرَ أن تبرخ فُلَانٌ مَلِيٌّ بِكَذَا إِذَا كَانَ مُطِيقًا لَهُ مُضْطَلِعًا بِهِ انْتَهَى.

قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ. قَرَأَ أَبُو الْبِرِّ هُثَيْمٌ: سَلَامًا بِالنَّصْبِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: هَذَا بِمَعْنَى الْمُسَالَمَةِ لَا بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ، أَيْ أَمَنَةً مِنِّي لَكَ وَهَؤُلَاءِ لَا يَرَوْنَ ابْتِدَاءَ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ. وَقَالَ النَّقَّاشُ حَلِيمٌ: خَاطَبَ سَفِيهًا كَقَوْلِهِ وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً «١» . وَقِيلَ: هِيَ تَحِيَّةُ مُفَارِقٍ، وَجَوَّزَ قَائِلُ هَذَا تَحِيَّةَ الْكَافِرِ وَأَنْ يُبْدَأَ بِالسَّلَامِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ «٢» الْآيَةَ وَبِقَوْلِهِ قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ «٣» الآية.

وقالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ سَلامٌ عَلَيْكَ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُتَأَوَّلٌ، وَمَذْهَبُهُمْ مَحْجُوجٌ بِمَا ثَبَتَ

فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ»

وَرَفْعُ سَلامٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ سَلَّمْتُ سَلَامًا دُعَاءً لَهُ بِالسَّلَامَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمَالَةِ، ثُمَّ وَعَدَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِشَرْطِ حُصُولِ مَا يُمْكِنُ مَعَهُ الِاسْتِغْفَارُ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ، وَهَذَا كَمَا يَرِدُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا يَصِحُّ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِشَرْطِ الْإِيمَانِ.

وَمَعْنَى سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ أَدْعُو اللَّهَ فِي هِدَايَتِكَ فَيَغْفِرُ لَكَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُتَأَوَّلُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِكَافِرٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ عليه


(١) سورة الفرقان: ٣٥/ ٦٣.
(٢) سورة الممتحنة: ٦٠/ ٨.
(٣) سورة الممتحنة: ٦٠/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>