وَحَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ شُقَيْرٍ أَنَّ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: فِي أَيُّهُمْ مَعْنَى الشَّرْطِ، تَقُولُ:
ضَرَبْتُ الْقَوْمَ أَيُّهُمْ غَضِبَ، وَالْمَعْنَى إِنْ غَضِبُوا أَوْ لَمْ يَغْضَبُوا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ إِنِ اشْتَدَّ عُتُوُّهُمْ أَوْ لَمْ يَشْتَدَّ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَمُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ الْهَرَّاءُ أُسْتَاذُ الْفَرَّاءِ وَزَائِدَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ أَيُّهُمْ بالنصب مفعولا بلننزعنّ، وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ فِيهَا الْبِنَاءُ إِذَا أُضِيفَتْ وَحُذِفَ صَدْرُ صِلَتِهَا، وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ تَحَتُّمُ الْبِنَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِ الْبَنَّاءُ وَالْإِعْرَابُ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْجَرْمِيُّ: خَرَجْتُ مِنَ الْبَصْرَةِ فَلَمْ أَسْمَعْ مُنْذُ فَارَقْتُ الْخَنْدَقَ إِلَى مَكَّةَ أَحَدًا يَقُولُ لَأَضْرِبَنَّ أَيُّهُمْ قَائِمٌ بِالضَّمِّ بَلْ بِنَصْبِهَا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ إِلَّا وَقَدْ خَطَّأَ سِيبَوَيْهِ، وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَعْنِي الزَّجَّاجَ يَقُولُ: مَا تَبَيَّنَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ غَلِطَ فِي كِتَابِهِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ هَذَا أَحَدُهُمَا. قَالَ: وَقَدْ أَعْرَبَ سِيبَوَيْهِ أَيًّا وَهِيَ مُفْرَدَةٌ لِأَنَّهَا تُضَافُ فَكَيْفَ يَبْنِيهَا وَهِيَ مضافة؟.
وعَلَى الرَّحْمنِ متعلق بأشد. وعِتِيًّا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ تَقْدِيرُهُ أَيُّهُمْ هُوَ عُتُوُّهُ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَيُلْقِيهِ فِي أَشَدِّ الْعَذَابِ، أَوْ فَيَبْدَأُ بِعَذَابِهِ ثُمَّ بِمَنْ دُونَهُ إِلَى آخِرِهِمْ عَذَابًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّهُ تَبْدُو عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَتَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ فَتَلْتَقِطُهُمْ» .
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: «يَحْضُرُونَ جَمِيعًا حَوْلَ جَهَنَّمَ مُسَلْسَلِينَ مَغْلُولِينَ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَكْفَرُ فَالْأَكْفَرُ» .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عِتِيًّا جَرَاءَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فُجْرًا. وَقِيلَ: افْتِرَاءً بِلُغَةِ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: عِتِيًّا جَمْعُ عَاتٍ فَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ.
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ أَيْ نَحْنُ فِي ذَلِكَ النَّزْعِ لَا نَضَعُ شَيْئًا غَيْرَ مَوْضِعِهِ، لِأَنَّا قَدْ أَحَطْنَا عِلْمًا بِكُلِّ وَاحِدٍ فَأَوْلَى بِصِلِيِّ النَّارِ نَعْلَمُهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَوْلَى بِالْخُلُودِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
صِلِيًّا دُخُولًا. وَقِيلَ: لُزُومًا. وَقِيلَ: جَمْعُ صَالٍ فَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ وَبِهَا مُتَعَلِّقٌ بِأَوْلَى.
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ مِنْكُمْ لِلْعَطْفِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قَسَمٌ وَالْوَاوُ تَقْتَضِيهِ، وَيُفَسِّرُهُ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» .
انْتَهَى. وَذَهَلَ عَنْ قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنِ الْقَسَمِ بِالْجَوَابِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى إِلَّا إِذَا كَانَ الْجَوَابُ بِاللَّامِ أَوْ بِأَنْ، وَالْجَوَابُ هُنَا جَاءَ عَلَى زَعْمِهِ بِأَنِ النَّافِيَةِ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْقَسَمِ عَلَى مَا نَصُّوا. وَقَوْلُهُ وَالْوَاوُ تَقْتَضِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ وَاوُ الْقَسَمِ، وَلَا يَذْهَبُ نَحْوِيٌّ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْوَاوِ وَاوُ قَسَمٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حَذْفُ الْمَجْرُورِ وَإِبْقَاءُ الْجَارِّ، وَلَا يَجُوزُ