للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إِلَّا إِنْ وَقَعَ فِي شِعْرٍ أَوْ نَادِرِ كَلَامٍ بِشَرْطِ أَنْ تَقُومَ صِفَةُ الْمَحْذُوفِ مَقَامَهُ كَمَا أَوَّلُوا فِي قَوْلِهِمْ: نِعْمَ السَّيْرُ عَلَى بِئْسَ الْعِيرِ، أَيْ عَلَى عِيرٍ بِئْسَ الْعِيرُ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَاللَّهِ مَا زِيدٌ بِنَامٍ صَاحِبُهُ أَيْ بِرَجُلٍ نَامٍ صَاحِبُهُ. وَهَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ إِذْ لَمْ يُحْذَفِ الْمُقْسَمُ بِهِ وَقَامَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنْكُمْ بِكَافِ الْخِطَابِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَامٌّ لِلْخَلْقِ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْوُرُودُ الدُّخُولَ لِجَمِيعِهِمْ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ هُوَ الْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ لِأَنَّ الصِّرَاطَ مَمْدُودٌ عَلَيْهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَدْ يَرِدُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَدْخُلْهُ كَقَوْلِهِ وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ «١» وَوَرَدَتِ الْقَافِلَةُ الْبَلَدَ وَلَمْ تَدْخُلْهُ، وَلَكِنْ قَرُبَتْ مِنْهُ أَوْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاءَ زُرْقًا جِمَامُهُ ... وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحَاضِرِ الْمُتَخَيِّمِ

وَتَقُولُ الْعَرَبُ: وَرَدْنَا مَاءَ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي كَلْبٍ إِذَا حَضَرُوهُمْ وَدَخَلُوا بِلَادَهُمْ، وَلَيْسَ يُرَادُ بِهِ الْمَاءُ بِعَيْنِهِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْكُفَّارِ أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ فَيَكُونُ الْوُرُودُ فِي حَقِّهِمُ الدُّخُولَ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الْخِطَابُ عَامٌّ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَلَكِنْ لَا تَضُرُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَكَرُوا كَيْفِيَّةَ دُخُولِ الْمُؤْمِنِينَ النَّارَ بِمَا لَا يُعْجِبُنِي نَقْلُهُ فِي كِتَابِي هَذَا لِشَنَاعَةِ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَإِنْ لَمْ تَضُرَّهُمْ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ وَإِنْ مِنْهُمْ بِالْهَاءِ لِلْغَيْبَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الضَّمَائِرِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْوُرُودِ جَثْوُهُمْ حَوْلَهَا وَإِنْ أُرِيدَ الْكُفَّارُ خَاصَّةً فَالْمَعْنَى بَيِّنٌ، وَاسْمُ كانَ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى الْوُرُودِ أَيْ كَانَ وُرُودُهُمْ حَتْمًا أَيْ وَاجِبًا قُضِيَ بِهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ثُمَّ بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُرُودَ عَامٌّ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ عباس وَأُبَيٌّ

وَعَلِيٌّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَيَعْقُوبُ ثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ

أَيْ هُنَاكَ، وَوَقَفَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ثَمَّهْ بِهَاءِ السَّكْتِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُنَجِّي بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ. وَقَرَأَ يَحْيَى وَالْأَعْمَشُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِإِسْكَانِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ.

وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ نُجِّيَ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مَضْمُومَةٍ وَجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ.

وَقَرَأَ عَلِيٌّ: نُنَحِّي بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُضَارِعُ نَحَّى

، وَمَفْعُولُ اتَّقَوْا مَحْذُوفٌ أَيِ الشِّرْكُ وَالظُّلْمُ هنا ظلم الكفر.


(١) سورة القصص: ٢٨/ ٢٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>