يحسن إذا لَا يَبْقَى عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ وَجَرَيَانُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى لَفْظِ الْغَيْبَةِ وَالتَّفْخِيمُ بِإِسْنَادِ الْإِنْزَالِ إِلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ، ثُمَّ إِسْنَادُهُ إِلَى مَنِ اخْتُصَّ بِصِفَاتِ الْعَظَمَةِ الَّتِي لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ فَحَصَلَ التَّعْظِيمُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلْنا حِكَايَةً لِكَلَامِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمَلَائِكَةِ النَّازِلِينَ مَعَهُ انْتَهَى. وَهَذَا تَجْوِيزٌ بَعِيدٌ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عن نفسه. والْعُلى جَمْعُ الْعُلْيَا وَوَصْفُ السَّماواتِ بِالْعُلَى دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ مَنِ اخْتَرَعَهَا إِذْ لَا يُمْكِنُ وُجُودُ مِثْلِهَا فِي عُلُوِّهَا مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى، وَالظَّاهِرُ رَفْعُ الرَّحْمنُ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ الرَّحْمنُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي خَلَقَ انْتَهَى. وَأَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَحِلُّ مَحَلَّ الْمُبْدَلِ مِنْهُ، والرَّحْمنُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُلَّ مَحَلَّ الضَّمِيرِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مَنْ الْمَوْصُولَةِ وخَلَقَ صِلَةٌ، وَالرَّابِطُ هُوَ الضَّمِيرُ فَلَا يَحُلُّ مَحَلَّهُ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ الرَّابِطِ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الرَّحْمنُ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَالَ يَكُونُ مُبْتَدَأً مُشَارًا بِلَامِهِ إِلَى مَنْ خَلَقَ. وَرَوَى جَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ الرَّحْمَنِ بِالْكَسْرِ. قال الزمخشري: صفة لمن خَلَقَ يَعْنِي لِمَنِ الْمَوْصُولَةِ وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ النَّوَاقِصَ الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِصِلَاتِهَا نَحْوَ مَنْ وَمَا لَا يَجُوزُ نَعْتُهَا إِلَّا الَّذِي وَالَّتِي فَيَجُوزُ نَعْتُهُمَا، فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّحْمنُ صِفَةً لِمَنْ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ الرَّحْمنُ بَدَلًا مِنْ مَنْ، وَقَدْ جَرَى الرَّحْمنُ فِي الْقُرْآنِ مَجْرَى الْعَلَمِ فِي وِلَايَتِهِ الْعَوَامِلَ. وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ يَكُونُ التَّقْدِيرُ هُوَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وَعَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ إِنْ كَانَ بَدَلًا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ فَكَذَلِكَ أَوْ مُبْتَدَأً كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَفِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ أَوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَيَكُونُ الرَّحْمنُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرَيْنِ عَنْ هُوَ الْمُضْمَرِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي الْأَعْرَافِ.
وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى الْعَرْشِ ثُمَّ يَقْرَأُ اسْتَوى لَهُ مَا فِي السَّماواتِ عَلَى أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِاسْتَوَى لَا يَصِحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أنه اخترع السموات وَالْأَرْضَ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى لَهُ مُلْكُ جَمِيعِ مَا حوت السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى أَيْ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. وَعَنِ السُّدِّيِّ: هُوَ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَقِيلَ: ما تَحْتَ الثَّرى مَا هُوَ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْكِيدًا لِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute