للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما فِي الْأَرْضِ إِلَّا أَنَّ كَانَ الْمُرَادُ بِفِي الْأَرْضِ مَا هُوَ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ تَوْكِيدًا. وَقِيلَ:

الْمَعْنَى أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْشِئُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ لَهُ عِلْمُ مَا فِي السَّماواتِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تعالى أولا إنشاء السموات وَالْأَرْضِ وَذَكَرَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَمَا فِيهِمَا مُلْكُهُ ذَكَرَ تَعَالَى صِفَةَ الْعِلْمِ وَأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ لِلرَّسُولِ ظَاهِرٌ أَوِ الْمُرَادُ أُمَّتُهُ، وَلَمَّا كَانَ خِطَابُ النَّاسِ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالْجَهْرِ بِالْكَلَامِ جَاءَ الشَّرْطُ بِالْجَهْرِ وَعَلَّقَ عَلَى الْجَهْرِ عِلْمَهُ بِالسِّرِّ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِالسِّرِّ يَتَضَمَّنُ عِلْمَهُ بِالْجَهْرِ، أَيْ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ السِّرَّ فَأَحْرَى أَنْ يَعْلَمَ الْجَهْرَ وَالسِّرُّ مُقَابِلٌ لِلْجَهْرِ كَمَا قَالَ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ «١» وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَخْفى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ أَيْ وَأَخْفى مِنَ السِّرِّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السِّرَّ مَا تُسِرُّهُ إِلَى غَيْرِكَ، وَالْأَخْفَى مَا تُخْفِيهِ فِي نَفْسِكَ وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا السِّرَّ مَا أَسَرَّهُ فِي نَفْسِهِ، وَالْأَخْفَى مَا خَفِيَ عَنْهُ مِمَّا هُوَ فَاعِلُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ. وَعَنْ قتادة: قريب من؟؟؟ مُجَاهِدٌ: السِّرَّ مَا تُخْفِيهِ مِنَ النَّاسِ وَأَخْفى مِنْهُ الْوَسْوَسَةُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ السِّرَّ؟؟؟ لخلائق وَأَخْفى مِنْهُ سِرُّهُ تَعَالَى وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ. وَقِيلَ: السِّرَّ الْعَزِيمَةُ وَأَخْفى مِنْهُ مَا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقَلْبِ، وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَأَخْفى هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ أَيْ يَعْلَمُ أَسْرَارَ الْعِبَادِ وَأَخْفى عَنْهُمْ مَا يَعْلَمُهُ هُوَ كَقَوْلِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ «٢» وَقَوْلِهِ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً «٣» . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَيْسَ بِذَلِكَ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ طَابَقَ الْجَزَاءُ الشَّرْطَ؟ قُلْتُ:

مَعْنَاهُ إِنْ تَجْهَرْ بِذِكْرِ اللَّهِ مِنْ دُعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ جَهْرِكَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنِ الْجَهْرِ كَقَوْلِهِ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ «٤» وَإِمَّا تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ أَنَّ الْجَهْرَ لَيْسَ لِإِسْمَاعِ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِغَرَضٍ آخَرَ انتهى.

والجلالة مبتدأ وَلَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْخَبَرُ ولَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى خَبَرٌ ثَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قِيلَ مِنْ ذَا الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى؟ فَقِيلَ: هُوَ


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٣.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٥٥.
(٣) سورة طه: ٢٠/ ١١٠.
(٤) سورة الأعراف: ٧/ ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>