للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ والْحُسْنى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ وَصِفَةُ الْمُؤَنَّثَةِ الْمُفْرَدَةِ تَجْرِي عَلَى جَمْعِ التَّكْسِيرِ، وَحَسَّنَ ذَلِكَ كَوْنُهَا وَقَعَتْ فَاصِلَةً وَالْأَحْسَنِيَّةُ كَوْنُهَا تَضَمَّنَتِ الْمَعَانِيَ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ مِنْ التَّقْدِيسِ وَالتَّعْظِيمِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْأَفْعَالَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ صُدُورُهَا إِلَّا مِنْهُ، وَذَكَرُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَسْماءُ هِيَ الَّتِي

قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وَذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ مُسْنَدَةً.

وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى نَارًا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى قالَ أَلْقِها يَا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى.

وَلِمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَعْظِيمَ كِتَابِهِ وَتَضَمَّنَ تَعْظِيمَ رَسُولِهِ أَتْبَعَهُ بِقِصَّةِ مُوسَى لِيُتَأَسَّى بِهِ فِي تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَتَكَالِيفِ الرِّسَالَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ «١» فَقَالَ تَعَالَى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى. هذا اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ يَحُثُّ عَلَى الْإِصْغَاءِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ وَعَلَى التَّأَسِّي. وَقِيلَ:

هَلْ بِمَعْنَى قَدْ أَيْ قَدْ أَتاكَ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُ هَذَا لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَطْلَعَهُ عَلَى قِصَّةِ مُوسَى قَبْلَ هَذَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ النَّفْيُ أَيْ مَا أَخْبَرْنَاكَ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ بِقِصَّةِ مُوسَى، وَنَحْنُ الْآنَ قَاصُّونَ قِصَّتَهُ لِتَتَسَلَّى وَتَتَأَسَّى

وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَضَى أَكْمَلَ الْأَجَلَيْنِ اسْتَأْذَنَ شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ لِزِيَارَةِ وَالِدَتِهِ وَأُخْتِهِ فَأَذِنَ لَهُ، وَقَدْ طَالَتْ مُدَّةُ جِنَايَتِهِ بِمِصْرَ وَرَجَا خَفَاءَ أَمْرِهِ، فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَكَانَ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ وَأَخَذَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخَافَةَ مُلُوكِ الشَّامِ، وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ فَلَا يَدْرِي أَلَيْلًا تَضَعُ أَمْ نَهَارًا، فَسَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ لَا يَعْرِفُ طُرُقَهَا، فَأَلْجَأَهُ الْمَسِيرُ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْغَرْبِيِّ الْأَيْمَنِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُثَلَّجَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ الطَّلْقُ فَقَدَحَ زَنْدَهُ فَلَمْ يُورِ.

قِيلَ: كَانَ رَجُلًا غَيُورًا يَصْحَبُ الرُّفْقَةَ لَيْلًا وَيُفَارِقُهُمْ نَهَارًا لِئَلَّا تُرَى امْرَأَتُهُ، فَأَضَلَّ الطريق.


(١) سورة هود: ١١/ ١٢٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>