للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ نُودِيَ بِاللَّيْلِ، فَلَحِقَ الْوَادِي تَقْدِيسٌ مُحَدَّدٌ أَيْ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ لَيْلًا. قَرَأَ طَلْحَةُ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَمْزَةُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ النُّونِ اخْتَرْنَاكَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ.

وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَابْنُ هُرْمُزَ وَالْأَعْمَشُ فِي رواية وَأَنَا بكسر الهمزة والألف بغير النون بلفظ الجمع دون معناه لأنه من خطاب الملوك اخترناك بالنون وَالْأَلِفُ عَطْفًا عَلَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ لِأَنَّهُمْ كَسَرُوا ذَلِكَ أَيْضًا، وَالْجُمْهُورُ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُفْرَدِ غَيْرِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَأَنِّي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ اخْتَرْتُكَ بِتَاءٍ عَطْفًا عَلَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ وَمَفْعُولُ اخْتَرْتُكَ الثَّانِي الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِ بِمِنْ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ قَوْمِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لِما يُوحى مِنْ صِلَةِ اسْتَمِعْ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ: لِما يُوحى لِلَّذِي يُوحَى أَوْ لِلْوَحْيِ، فَعَلَّقَ اللَّامَ بِاسْتَمِعْ أَوْ بِاخْتَرْتُكَ انْتَهَى. وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِاخْتَرْتُكَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ فَيَجِبُ أَوْ يُخْتَارُ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ مَعَ الثَّانِي، فَكَانَ يَكُونُ فَاسْتَمِعْ لَهُ لِمَا يُوحَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِعْمَالُ الثَّانِي.

وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيُّ: لَمَّا قِيلَ لِمُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ اسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى وَقَفَ عَلَى حَجَرٍ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَجَرٍ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَأَلْقَى ذَقْنَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَوَقَفَ لِيَسْتَمِعَ وَكَانَ كُلُّ لِبَاسِهِ صُوفًا.

وَقَالَ وَهْبٌ: أَدَبُ الِاسْتِمَاعِ سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَالْإِصْغَاءُ بِالسَّمْعِ وَحُضُورُ الْعَقْلِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ، وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ لِمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَحُذِفَ الْفَاعِلُ فِي يُوحى لِلْعِلْمِ بِهِ وَيُحَسِّنُهُ كَوْنُهُ فَاصِلَةً، فَلَوْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لَمْ يَكُنْ فَاصِلَةً وَالْمُوحَى قَوْلُهُ إِنِّي أَنَا اللَّهُ إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ وَحِّدْنِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «١» إِلَى آخِرِ الْجُمَلِ جَاءَ ذَلِكَ تَبْيِينًا وَتَفْسِيرًا لِلْإِبْهَامِ فِي قَوْلِهِ لِما يُوحى. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فَاعْبُدْنِي هُنَا وَحِّدْنِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَعْنَاهُ لِيُوَحِّدُونِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فَاعْبُدْنِي لَفْظٌ يَتَنَاوَلُ مَا كَلَّفَهُ بِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ مَا هُوَ قَدْ يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ فَبَدَأَ بالصلاة إِذْ هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَنْفَعُهَا فِي الْآخِرَةِ، وَالذِّكْرُ مصدر يحتمل أن يضاف إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ لِيَذْكُرَنِي فَإِنَّ ذِكْرِي أَنْ أُعْبَدَ وَيُصَلَّى لِي أَوْ لِيَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَذْكَارِ أَوْ لِأَنِّي ذَكَرْتُهَا فِي الْكُتُبِ وَأَمَرْتُ بِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُضَافَ إِلَى الْمَفْعُولِ أَيْ لِأَنْ أَذْكُرَكَ بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَأَجْعَلَ لَكَ لِسَانَ صِدْقٍ، أَوْ لِأَنْ تَذْكُرَنِي خَاصَّةً لَا تَشُوبُهُ بِذِكْرِ غَيْرِي أَوْ خَلَاصُ ذكري وطلب


(١) سورة الذاريات: ٥١/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>